| تفسير سورة المائده | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:01 am | |
|
بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة المائده
تفسير ابن كثير
1-يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ
. انظر تفسير الآية 2
2-يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ
مقدمة تفسير سورة المائدة بسم الله الرحمن الرحيم قال الإمام أحمد « 6/455 » حدثنا أبو النضر حدثنا أبو معاوية شيبان عن ليث عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد قالت إني لآخذة بزمام العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ نزلت عليه المائدة كلها وكادت من ثقلها تدق عضد الناقة وروى ابن مردويه من حديث صباح بن سهل عن عاصم الأحول قال حدثتني أم عمرو عن عمها أنه كان في مسير مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم فنزلت عليه سورة المائدة فاندق عنق الراحلة من ثقلها وقال أحمد أيضا « 2/176 » حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الجبلي عن عبد الله بن عمرو قال أنزلت على رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم سورة المائدة وهو راكب على راحلته فلم تستطع أن تحمله فنزل عنها تفرد به أحمد وقد روى الترمذي « 3063 » عن قتيبة عن عبد الله بن وهب عن حيي عن أبي عبد الرحمن عن عبد الله بن عمرو قال آخر سورة أنزلت سورة المائدة والفتح ثم قال الترمذي هذا حديث حسن غريب وقد روي عن ابن عباس أنه قال آخر سورة أنزلت « إذا جاء نصر الله والفتح » وقد روى الحاكم في مستدركه « 2/311 » من طريق عبد الله بن وهب بإسناده نحو رواية الترمذي ثم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقال الحاكم أيضا « 2/311 » حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا بحر بن نصر قال قرئ على عبد الله بن وهب أخبرني معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير قال حججت فدخلت على عائشة فقالت لي ياجبير تقرأ المائدة فقلت نعم فقالت أما إنها آخر سورة نزلت فما وجدتم فيها من حلال فاستحلوه وما وجدتم من حرام فحرموه ثم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ورواه الإمام أحمد « 6/188 » عن عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح وزاد وسألتها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت القرآن ورواه النسائي « 11138 » من حديث ابن-مهدي قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا نعيم بن حماد حدثنا عبد الله بن المبارك حدثنا مسعر حدثني معن وعوف أو أحدهما أن رجلا أتى عبد الله بن مسعود فقال إعهد الي فقال إذا سمعت الله يقول « يا أيها الذين آمنوا » فارعها سمعك فإنه خير يأمر به أو شر ينهى عنه وقال حدثنا علي بن الحسين حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم دحيم حدثنا الوليد حدثنا الأوزاعي عن الزهري قال إذا قال الله « يا أيها الذين آمنوا » إفعلوا فالنبي صلى الله عليه وسلم منهم وحدثنا أحمد بن سنان حدثنا محمد بن عبيدحدثنا الأعمش عن خيثمة قال كل شيء في القرآن « يا أيها الذين آمنوا » فهو في التوراة يا أيها المساكين فأما مارواه عن زيد بن إسماعيل الصائغ البغدادي حدثنا معاوية يعني ابن هشام عن عيسى بن راشد عن علي بن بذيمة عن عكرمة عن ابن عباس قال ما في القرآن آية « يا أيها الذين آمنوا » إلا أن عليا سيدها وشريفها وأميرها وما من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحد إلا قد عوتب في القرآن إلا علي بن أبي طالب فإنه لم يعاتب في شيء منه فهو أثر غريب ولفظه فيه نكارة وفي إسناده نظر وقال البخاري عيسى بن راشد هذا مجهول وخبره منكر قلت وعلي بن بذيمة وإن كان ثقة إلا أنه شيعي غال وخبره في مثل هذا فيه تهمة فلا يقبل وقوله فلم يبق أحد من الصحابة إلا عوتب في القرآن إلا عليا إنما يشير به إلى الآية الآمرة بالصدقة بين يدي النجوى فإنه قد ذكر غير واحد أنه لم يعمل بها أحد إلا علي ونزل قوله « أأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجواكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم » الآية وفي كون هذا عتابا نظر فإنه قد قيل إن الأمر كان ندبا لا إيجابا ثم قد نسخ ذلك عنهم قبل الفعل فلم يصدر من أحد منهم خلافه وقوله عن علي أنه لم يعاتب في شيء من القرآن فيه نظر أيضا فإن الآية التي في الأنفال التي فيها المعاتبة على أخذ الفداء عمت جميع من أشار بأخذه ولم يسلم منها إلا عمر بن الخطاب رضي الله عنه فعلم بهذا وبما تقدم ضعف هذا الأثر والله أعلم وقال ابن جرير حدثني المثنى حدثنا عبد الله بن صالح حدثنا الليث حدثني يونس قال قال محمد بن مسلم قرأت كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم فيه هذا بيان من الله ورسوله « يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود » فكتب الآيات منها حتى بلغ « إن الله سريع الحساب » وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد حدثنا يونس بن بكير حدثنا محمد بن إسحاق حدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه قال هذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عندنا الذي كتبه لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن يفقه أهلها ويعلمهم السنة ويأخذ صدقاتهم فكتب له كتابا وعهدا وأمره فكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من الله ورسوله « يا أيها الذين آمنوا أوفو بالعقود » عهد من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى اليمن أمره بتقوى الله في أمره كله فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون قوله تعالى « أوفوا بالعقود » قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد يعني بالعقود العهود وحكى ابن جرير الإجماع على ذلك قال والعهود ماكانوا يتعاقدون عليه من الحلف وغيره وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله « يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود » يعني العهود يعني ما أحل الله وما حرم وما فرض وما حد في القرآن كله ولا تغدروا ولا تنكثوا ثم شدد في ذلك فقال تعالى « والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل » إلى قوله « سوء الدار » وقال الضحاك « أوفوا بالعقود » قال ما أحل الله وحرم وما أخذ الله من الميثاق على من أقر بالإيمان بالنبي والكتاب أن يوفوا بما أخذ الله عيهم من الفرائض من الحلال والحرام وقال زيد بن أسلم « أوفوا بالعقود » قال هي ستة عهد الله وعقد الحلف وعقد الشركة وعقد البيع وعقد النكاح وعقد اليمين وقال محمد بن كعب هي خمسة منها حلف الجاهلية وشركة المفاوضة وقد استدل بعض من ذهب إلى أنه لاخيار في مجلس البيع بهذه الآية « أوفوا بالعقود » قال فهذه تدل على لزوم العقد وثبوته فيقتضي نفي خيار المجلس وهذا مذهب أبي حنيفة ومالك وخالفهما في ذلك الشافعي وأحمد والجمهور والحجة في ذلك ماثبت في الصحيحين « خ 2107 م 1531 » عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعان بالخيار ما لم يتفرقا وفي لفظ آخر للبخاري إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وهذا صحيح في إثبات خيار المجلس المتعقب لعقد البيع وليس هذا منافيا للزوم العقد بل هو من مقتضياته شرعا فالتزامه في تمام الوفاء بالعقود وقوله تعالى « أحلت لكم بهيمة الأنعام » هي الإبل والبقر والغنم قاله أبو الحسن وقتادة وغير واحد قال ابن جرير وكذلك هو عند العرب وقد استدل ابن عمر وابن عباس وغير واحد بهذه الآية على إباحة الجنين إذا وجد ميتا في بطن أمه إذا ذبحت وقد ورد في ذلك حديث في السنن رواه أبو داود « 2827 » والترمذي « 1476 » وابن ماجة « 3199 » من طريق مجالد عن أبي الوداك جبير بن نوفل عن أبي سعيد قال قلنا يا رسول الله ننحر الناقة ونذبح البقرة أو الشاة في بطنها الجنين أنلقيه أم نأكله فقال كلوه إن شئتمفإن ذكاته ذكاة أمه وقال الترمذي في حديث حسن قال أبو داود « 2828 » حدثنا محمد بن يحيى بن فارس حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عتاب بن بشير حدثنا عبيد الله بن أبي زياد القداح المكي عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ذكاة الجنين ذكاة أمه تفرد به أبو داود وقوله « إلا ما يتلى عليكم » قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني بذلك الميتة والدم ولحم الخنزير وقال قتادة يعني بذلك الميتة ومالم يذكر اسم الله عليه والظاهر والله أعلم أن المراد بذلك قوله « حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع » فإن هذه وإن كانت من الأنعام إلا أنها تحرم بهذه العوارض ولهذا قال « إلا ماذكيتم وما ذبح على النصب » يعني منها فإنه حرام لا يمكن استدراكه وتلاحقه ولهذا قال تعالى « أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم » أي ما سيتلى عليكم من تحريم بعضها في بعض الأحوال وقوله تعالى « غير محلي الصيد وأنتم حرم » قال بعضهم هذا منصوب على الحال والمراد بالأنعام ما يعم الأنسي من الإبل والبقر والغنم وما يعمم الوحشي كالظباء والبقر والحمر فاستثنى من الإنسي ما تقدم واستثنى من الوحشي الصيد في حال الإحرام وقيل المراد أحللنا لكم الأنعام إلا ما استثنى منها لمن التزم تحريم الصيد وهو حرام لقوله « فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم » أي أبحنا تناول الميتة للمضطر بشرط أن يكون غير باغ ولا متعد وهكذا هنا أي كما أحللنا الأنعام في جميع الإحوال فحرموا الصيد في حال الإحرام فإن الله قد حكم بهذا وهو الحكيم في جميع ما يأمر به وينهى عنه ولهذا قال تعالى « إن الله يحكم ما يريد » ثم قال تعالى « يا أيها الذين آمنوا لا تحلوا شعائر الله » قال ابن عباس يعني بذلك مناسك الحج وقال مجاهد الصفا والمروة والهدي والبدن من شعائر الله وقيل شعائر الله محارمه أي لا تحلوا محارم الله التي حرمها تعالى « ولا الشهر الحرام » يعني بذلك تحريمه والإعتراف بتعظيمه وترك ما نهى الله عن تعاطيه فيه من الإبتداء بالقتال وتأكيد اجتناب المحارم كما قال تعالى « يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير » وقال تعالى « إن عدة الشهور عند الله تعالى اثنا عشر شهرا » الآية وفي صحيح البخاري « 4662 » عن أبي بكرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في حجة الوداع إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان وهذا يدل على استمرار تحريمها إلى آخر وقت كما هو مذهب طائفة من السلف وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى « ولا الشهر الحرام » يعني لا تستحلوا القتال فيه وكذا قال مقاتل بن حيان مقاتل بن حيان وعبد الكريم بن مالك الجزري واختاره ابن جرير أيضا وذهب الجمهور إلى أن ذلك منسوخ وأنه يجوز ابتداء القتال في الأشهر الحرم واحتجوا بقوله تعالى « فإذا أنسخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم » والمراد أشهر التسيير الأربعة قالوا فلم يستثن شهرا حراما من غيره وقد حكى الإمام أبو جعفر الإجماع على أن الله قد أحل قتال إهل الشرك في الأشهر الحرم وغيرها من شهور السنة قال و كذلك أجمعوا على أن المشرك لو قلد عنقه أو ذراعيه بلحاء جميع أشجار الحرم لم يكن ذلك له أمانا من القتل إذا لم يكن تقدم له عقد ذمة من المسلمين أو أمان ولهذه المسألة بحث آخر له موضع أبسط من هذا وقوله تعالى « ولا الهدي ولا القلائد » يعني لا تتركوا الإهداء إلى البيت الحرام فان فيه تعظيم شعائر الله ولا تتركوا تقليدها في أعناقها لتتميز به عما عداها من الأنعام وليعلم أنها هدي إلى الكعبة فيجتنبها من يريدها بسوء وتبعث من يراها على الإتيان بمثلها فإن من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من اتبعه من غير أن ينقص من أجورهم شيء ولهذا لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم بات بذي الحليفة وهو وادي العقيق فلما أصبح طاف على نسائه وكن تسعا ثم اغتسل وتطيب وصلى ركعتين ثم أشعر هديه وقلده وأهل للحج والعمرة وكان هديه إبلا كثيرة تنيف على الستين من أحسن الأشكال والألوان كما قال تعالى « ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب » وقال بعض السلف إعظامها استحسانها واستسمانها قال علي بن أبي طالب أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن رواه أهل السنن وقال مقاتل بن حيان قوله « ولا القلائد » فلا تستحلوه وكان أهل الجاهلية إذا خرجوا من أوطانهم في غير الأشهر الحرم قلدوا أنفسهم بالشعر والوبر وتقلد مشركوا الحرم من لحاء شجره فيأمنون به رواه ابن أبي حاتم ثم قال حدثنا محمد بن عمار حدثنا سعيد بن سليمان قال حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عنالحكم عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال نسخ من هذه السورة آيتان آية القلائد وقوله « فإن جاؤوك فاحكم بينهم أو اعرض عنهم » وحدثنا المنذر بن شاذان حدثنا زكريا بن عدي حدثنا محمد بن أبي عدي عن ابن عوف قال قلت للحسن نسخ من المائدة شيء قال لا وقال عطاء كانوا يتقلدون من شجر الحرم فيأمنون فنهى الله عن قطع شجره وكذا قال مطرف بن عبد الله وقوله تعالى « ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا » أي لا تستحلوا قتال القاصدين إلى البيت الحرام الذي من دخله كان آمنا وكذا من قصده طالبا فضل الله وراغبا في رضوانه فلا تصدوه ولا تمنعوه ولا تهيجوه قال مجاهد وعطاء وأبو العالية ومطرف بن عبد الله وعبد الله بن عبيد بن عمير والربيع بن أنس ومقاتل بن حيان وقتادة وغير واحد في قوله « يبتغون فضلا من ربهم » يعني بذلك التجارة وهذا كما تقدم في قوله « ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم » وقوله « ورضوانا » قال ابن عباس يرتضون الله بحجهم قد ذكر عكرمة والسدي وابن جريج أن هذه الآية نزلت في الحطم بن هند البكري كان قد أغار على سرح المدينة فلما كان من العام المقبل اعتمر إلى البيت فأراد بعض الصحابة أن يعترضوا عليه في طريقه إلى البيت فأنزل الله عز وجل « ولا آمين البيت الحرام يبتغون فضلا من ربهم ورضوانا » وقد حكى ابن جرير الإجماع على أن المشرك يجوز قتله إذا لم يكن له أمان وإن أم البيت الحرام أو بيت المقدس وأن هذا الحكم منسوخ في حقهم والله أعلم فأما من قصده بالإلحاد فيه والشرك عنده والكفر به فهذا يمنع قال تعالى « يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا » ولهذا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عام تسع لما أمر الصديق على الحجيج عليا وأمره أن ينادي على سبيل النيابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ببراءة وأن لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان « خ 4655 » وقال ابن أبي طلحة عن ابن عباس قوله « ولا آمين البيت الحرام » يعني من توجه قبل البيت الحرام فكان المؤمنون والمشركون يحجون فنهى الله المؤمنين أن يمنعوا أحدا من مؤمن أو كافر ثم أنزل الله بعدها « إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا » الآية وقال تعالى « ماكان للمشركين ان يعمروا مساجد الله » وقال « إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر » فنفى المشركين من المسجد الحرام وقال عبد الرزاق حدثنا معمر عن قتادة في قوله « ولا القلائد ولا آمين البيت الحرام » قال منسوخ كان في الجاهلية إذا خرج من بيته يريد الحج تقلد من الشجر فلم يعرض له أحد فإذا رجع تقلد قلادة من شعر فلم يعرض له أحد وكان المشرك يومئذ لا يصد عن البيت فأمروا أن لا يقاتلوا في الشهر الحرام ولا عند البيت فنسخها قوله « اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم » وقد إختار ابن جرير أن المراد بقوله « ولا القلائد » يعني إن تقلدوا قلادة من الحرم فأمنوهم ولم تزل العرب تعير من أخفر ذلك قال الشاعر-ألم تقتلا الحرجين إذ أعورا لكم يمران بالأيدي اللحاء المضفرا-وقوله تعالى « وإذا حللتم فاصطادوا » أي إذا فرغتم من إحرامكم وأحللتم منه فقد أبحنا لكم ما كان محرما عليكم في حال الإحرام من الصيد وهذا أمر بعد الحظر والصحيح الذي يثبت على السبر أنه يرد الحكم إلى ما كان عليه قبل النهي فإذا كان واجبا رده واجبا وإن كان مستحبا فمستحب أو مباحا فمباح ومن قال إنه على الوجوب ينتقض عليه بآيات كثيرة ومن قال إنه للإباحة يرد عليه آيات أخرى والذي ينتظم الأدلة كلها هذا الذي ذكرناه كما اختاره بعض علماء الأصول والله أعلم وقوله « ولا يجرمنكم شنآن قوم إن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا » من القراء من قرأ أن من صدوكم بفتح الألف من أن ومعناها ظاهر أي لا يحملنكم بغض من قد كانوا صدوكم عن الوصول إلى المسجد الحرام وذلك عام الحديبية على أن تعتدوا حكم الله فيهم فتقتصوا منهم ظلما وعدوانا بل احكموا بما أمركم الله به من العدل في حق كل أحد وهذه الآية كما سيأتي من قوله « ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى » أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فإن العدل واجب على كل أحد في كل أحد في كل حال وقال بعض السلفماعاملت من عصى الله فيك بمثل من تطيع الله فيه والعدل به قامت السموات والأرض وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا سهل بن عفان حدثنا عبد الله بن جعفر عن زيد بن أسلم قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية وأصحابه حين صدهم المشركون عن البيت وقد إشتد ذلك عليهم فمر بهم أناس من المشركين من أهل المشرق يريدون العمرة فقال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم نصد هؤلاء كما صدنا أصحابهم فأنزل الله هذه الآية والشنآن هو البغض قاله ابن عباس وغيره وهو مصدر من شنأته أشنؤه شنآنا بالتحريك مثل قولهم جمزان ودرجان ورفلان من جمز ودرج ورفل وقال ابن جرير من العرب من يسقط التحريك في شنآن فيقول شنان ولم أعلم أحدا قرأ بهذا ومنه قول الشاعر-وما العيش إلا ما تحب وتشتهي وإن لام فيه ذو الشنان وفندا-وقوله تعالى « وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان » يأمر تعالى عباده بالمعاونة على فعل الخيرات وهو البر وترك المنكرات وهو التقوى وينهاهم عن التناصر على الباطل والتعاون على المآثم والمحارم قال ابن جرير الإثم ترك ما أمر الله بفعله والعدوان مجاوزة ما فرض الله عليكم في أنفسكم وفي غيركم وقد قال الإمام أحمد « 3/99 » حدثنا هشيم حدثنا عبيد الله بن أبي بكر بن أنس عن جده أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصر أخاك ظالما أو مظلوما قيل يا رسول الله هذا نصرته مظلوما فكيف أنصره إذا كان ظالما قال تحجزه وتمنعه من الظلم فذاك نصره إنفرد به البخاري « 6952 » من حديث هشيم به نحوه وأخرجاه من طريق ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنصر أخاك ظالما أو مظلوما قيل يا رسول الله هذا نصرته مظلوما فكيف أنصره ظالما قال تمنعه من الظلم فذاك نصرك إياه وقال أحمد « 5/365 » حدثنا يزيد حدثنا سفيان بن سعيد عن الأعمش عن يحيى بن وثاب عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجرا من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم وقد رواه أحمد أيضا « 2/32 » في مسند عبد الله بن عمر حدثنا حجاج حدثنا شعبة عن الأعمش عن يحيى بن وثاب عن شيخ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم وهكذا رواه الترمذي « 2507 » من حديث شعبة وابن ماجة « 4032 » من طريق إسحاق بن يوسف كلاهما عن الأعمش به وقال الحافظ أبو بكر البزار « 154 » حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن محمد أبو شيبة الكوفي حدثنا بكر بن عبد الرحمن حدثنا عيسى بن المختار عن ابن أبي ليلى عن فضيل بن عمرو عن أبي وائل عن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدال على الخير كفاعله ثم قال لا نعلمه يروى إلا بهذا الإسناد قلت وله شاهد في الصحيح « م 2674 » من دعا إلى هدى كان له من الأجرمثل أجور من اتبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا وقال أبو القاسم الطبراني « كبير 1/619 » حدثنا عمرو بن إسحاق بن إبراهيم بن العلاء بن زبريق الحمصي حدثنا أبي حدثنا عمرو بن الحارث عن عبد الله بن سالم عن الزبيدي قال عياش بن مؤنس إن أبا الحسن نمران بن محمر أن أوس بن شرحبيل أحد بني المجمع حدثه حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من مشى مع ظالم ليعينه وهو يعلم أنه ظالم فقد خرج من الإسلام
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:03 am | |
| 3-حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
يخبر تعالى عباده خبرا متضمنا النهي عن تعاطي هذه المحرمات من الميتة وهي ما مات من الحيوان حتف أنفه من غير ذكاة ولا إصطياد وما ذاك إلا لما فيها من المضرة لما فيها من الدم المحتقن فهي ضارة للدين وللبدن فلهذا حرمها اللهعز وجل ويستثنى من الميتة السمك فإنه حلال سواء مات بتذكية أو غيرها لما رواه مالك « 1/22 » في موطئه والشافعي « 1/19 » وأحمد « 2/237 » في مسنديهما وأبو داود « 83 » والترمذي « 69 » والنسائي « 1/50 » وابن ماجة « 386 » في سننهم وابن خزيمة « 111 » وابن حبان « 1243 » في صحيحهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن ماء البحر فقال هو الطهور ماؤه الحل ميتته وهكذا الجراد لما سيأتي من الحديث وقوله « والدم » يعني به المسفوح كقوله « أو دما مسفوحا » قاله ابن عباس وسعيد بن جبير قال ابن أبي حاتم حدثنا كثير بن شهاب المذحجي حدثنا محمد بن سعيد بن سابق حدثنا عمرو يعني ابن أبي قيس عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن الطحال فقال كلوه فقالوا إنه دم فقال إنما حرم عليكم الدم المسفوح وكذا رواه حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن عائشة قالت إنما نهي عن الدم السافح وقد قال أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي « 2/607 » حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر مرفوعا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحل لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالسمك والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال وكذا رواه أحمد بن حنبل « 2/97 » وابن ماجة « 3314 » والدارقطني « 4/272 » والبيهقي « 9/257 » من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف قال الحافظ البيهقي ورواه إسماعيل بن أبي أدريس عن أسامة وعبد الله وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن ابن عمر مرفوعا قلت وثلاثتهم كلهم ضعفاء ولكن بعضهم أصلح من بعض وقد رواه سليمان بن بلال أحد الاثبات عن زيد بن أسلم عن ابن عمر فوقفه بعضهم عليه قال الحافظ أبو زرعة الرازي وهو أصح وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسن حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب حدثنا بشير بن سريج عن أبي غالب عن أبي أمامة وهو صدى بن عجلان قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قومي أدعوهم إلى الله ورسوله وأعرض عليهم شرائع الإسلام فأتيتهم فبينما نحن كذلك إذ جاءوا بقصعة من دم فاجتمعوا عليها يأكلونها فقالوا هلم ياصدى فكل قال قلت ويحكم إنما أتيتكم من عند من يحرم هذا عليكم فأقبلوا عليه قالوا وما ذاك فتلوت عليهم هذه الآية « حرمت عليكم الميتة والدم » الآية ورواه الحافظ أبو بكر بن مردويه من حديث ابن أبي الشوارب بإسناد مثله وزاد بعد هذا السياق قال فجعلت أدعوهم إلى الإسلام ويأبون علي فقلت ويحكم اسقوني شربة من ماء فإني شديد العطش قال وعلي عباءتيفقالوا لا ولكن ندعك حتى تموت عطشا قال فاغتممت وضربت برأسي في العباء ونمت على الرمضاء في حر شديد قال فأتاني آت في منامي بقدح من زجاج لم ير الناس أحسن منه وفيه شراب لم ير الناس ألذ منه فأمكنني منه فشربته فلما فرغت من شرابي استيقظت فلا والله ماعطشت ولا عريت بعد تيك الشربة ورواه الحاكم في مستدركه « 3/642 » عن علي بن حمشاذ عن عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني عبد الله بن سلمة بن عياش العامري حدثنا صدقة بن هرم عن أبي غالب عن أبي أمامة وذكر نحوه وزاد بعد قوله بعد تيك الشربة فسمعتهم يقولون أتاكم رجل من سراة قومكم فلم تمجعوه بمذقة فأتوني بمذقة فقلت لاحاجة فيها إن الله أطعمني وسقاني وأريتهم بطني فأسلموا عن آخرهم وما أحسن ما أنشد الأعشى في قصيدته التي ذكرها ابن إسحاق-وإياك والميتات لا تقربنها ولاتأخذن عظما حديدا فتفصدا-أي لا تفعل فعل الجاهلية وذلك أن أحدهم كان إذا جاع يأخذ شيئا محددا من عظم فيفصد به بعيره أو حيوانا من أي صنف كان فيجمع ما يخرج منه من الدم فيشربه ولهذا حرم الله الدم على هذه الأمة ثم قال الأعشى-وذا النصب المنصوب لا تأتينه ولا تعبد الأصنام والله فاعبدا-قوله « ولحم الخنزير » يعني إنسيه ووحشيه واللحم يعمم جميع أجزائه حتى الشحم ولا يحتاج إلى تحذلق الظاهرية في جمودهم ها هنا وتعسفهم في الاحتجاج بقوله « فإنه رجس أو فسقا » يعنون قوله تعالى « إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس » أعادوا الضمير فيما فهموه على الخنزير حتى يعمم جميع أجزائه وهذا بعيد من حيث اللغة فإنه لا يعود الضمير إلا إلى المضاف دون المضاف إليه والأظهر أن اللحم يعمم جميع الأجزاء كما هو المفهوم من لغة العرب ومن العرف المطرد وفي صحيح مسلم « 2260 » عن بريدة بن الخصيب الأسلمي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير ودمه فإذا كان هذا التنفير لمجرد اللمس فكيف يكون التهديد والوعيدالأكيد على أكله والتغذي به وفيه دلالة على شمول اللحم لجميع الأجزاء من الشحم وغيره وفي الصحيحين « خ 2236 م 1581 » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال لا هو حرام وفي صحيح البخاري من حديث أبي سفيان أنه قال لهرقل ملك الروم نهانا عن الميتة والدم وقوله « وما أهل لغير الله به » أي ماذبح فذكر عليه اسم غير الله فهو حرام لأن الله تعالى أوجب أن تذبح مخلوقاته على اسمه العظيم فمتى عدل عن ذلك وذكر عليها إسم غيره من صنم أو طاغوت أو وثن أو غير ذلك من سائر المخلوقات فإنها حرام بالإجماع وإنما اختلف العلماء في متروك التسمية إما عمدا أو نسيانا كما سيأتي تقريره في سورة الأنعام وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين الهسنجاني حدثنا نعيم بن حماد حدثنا ابن فضيل عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل قال نزل آدم بتحريم أربع « الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به » وإن هذه الأربعة أشياء لم تحل قط ولم تزل حراما منذ خلق الله السموات والأرض فلما كانت بنو إسرائيل حرم الله عليهم طيبات أحلت لهم بذنوبهم فلما بعث الله عيسى ابن مريم عليه السلام نزل بالأمر الأول الذي جاء به آدم وأحل لهم ما سوى ذلك فكذبوه وعصوه وهذا أثر غريب وقال ابن أبي حاتم أيضا حدثنا أبي حدثنا أحمد بن يونس حدثنا ربعى عن عبد الله قال سمعت الجارود بن أبي سبرة قال هو جدي قال كان رجل من بني رباح يقال له ابن وائل وكان شاعرا نافرا غالبا أبا الفرزدق بماء بظهر الكوفة على أن يعقر هذا مئة من إبله وهذا مئة من إبله إذا وردت الماء فلما وردت الماء قاما إليها بسيفيها فجعلا يكسفان عراقيبها قال فخرج الناس على الحمرات والبغال يريدون اللحم قال وعلي بالكوفة قال فخرج علي على بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم البيضاء وهو ينادي يا أيها الناس لا تأكلوا من لحومها فإنها أهل بها لغير الله هذا أثر غريب ويشهد له بالصحة مارواه أبو داود « 2820 » حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا حماد بن مسعدة عن عوف بن أبي ريحانة عن ابن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معاقرة الأعراب ثم قال أبو داود محمد بن جعفر هو غندر أوقفه علي بن عباس تفرد به أبو داود وقال أبو داود أيضا حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا جرير بن حازم عن الزبير بن خريت قال سمعت عكرمة يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن طعام المتبارين أن يؤكل ثم قال أبو داود أكثر من رواه غير ابن جرير لا يذكر فيه ابن عباس تفرد به أيضا قوله « والمنخنقة » وهي التي تموت بالخنق إما قصدا وإما اتفاقا بأن تتخبل في وثاقتها فتموت به فهي حرام وأما « الموقوذة » فهي التي تضرب بشيء ثقيل غير محدد حتى تموت كما قال ابن عباس وغير واحد هي التي تضرب بالخشبة حتى يوقذها فتموت قال قنادة كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصى حتى إذا ماتت أكلوها وفي الصحيح « خ 5477 م 1929 » أن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب قال إذا رميت بالمعراض فخزق فكله وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله ففرق بين ما أصابه بالسهم أو بالمزراق ونحوه بحده فأحله وما أصاب بعرضه فجعله وقيذا لم يحله وهذا مجمع عليه عند الفقهاء واختلفوا فيما إذا صدم الجارحة الصيد فقتله بثقله ولم يجرحه على قولين هما قولان للشافعي رحمه الله « أحدهما » لا يحل كما في السهم والجامع أن كلا منهما ميت بغير جرح فهو وقيذ « والثاني » أنه يحل لأنه حكم بإباحة ماصاده الكلب ولم يستفصل فدل على إباحة ماذكرناه لأنه قد دخل في العموم وقد قررت لهذه المسألة فصلا فليكتب ها هنا-صيد الكلب- « فصل » اختلف العلماء رحمهم الله تعالى فيما إذا أرسل كلبا على صيد فقتله بثقله ولم يجرحه أو صدمه هل يحل أم لا على قولين « أحدهما » أن ذلك حلال لعموم قوله تعالى فكلوا مما أمسكن عليكم وكذا عمومات حديث عدي بن حاتم وهذا قول حكاه الأصحاب عن الشافعي رحمه الله وصححه بعض المتأخرين منهم كالنووي والرافعي « قلت » وليس بذلك بظاهر من كلام الشافعي في الأم والمختصر فإنه قال في كلا الموضعين يحتمل معنيين ثم وجه كل منهما فحمل ذلك الأصحاب منه فأطلقوا في المسألة قولين عنه اللهم إلا أنه في بحثه للقول بالحل رشحه قليلا ولم يصرح بواحد منهما ولا جزم به والقول بذلك أعني الحل نقله ابن الصباغ عن أبي حنيفة من رواية الحسن بن زياد عنه ولم يذكر غير ذلك وأما أبو جعفر بن جرير فحكاه في تفسيرهعن سلمان الفارسي وأبي هريرة وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وهذا غريب جدا وليس يوجد ذلك مصرحا به عنهم إلا أنه من تصرفه رحمه الله ورضي عنه « والقول الثاني » أن ذلك لا يحل وهو أحد القولين عن الشافعي رحمه الله واختاره المزني ويظهر من كلام ابن الصباغ ترجيحه أيضا والله أعلم ورواه أبو يوسف ومحمد عن أبي حنيفة وهو المشهور عن الإمام أحمد ابن حنبل رضي الله عنه وهو القول أشبه بالصواب والله أعلم لأنه أجري على القواعد الأصولية وأمس الأصولية الشرعية واحتج ابن الصباغ له بحديث رافع بن خديج قلت يا رسول الله إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب قال ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه الحديث بتمامه وهو في الصحيحين « خ 2488 م 1968 » وهذا وإن كان واردا على سبب خاص فالعبرة بعموم اللفظ عند جمهور من العلماء في الأصول والفروع كما سئل عليه السلام عن البتع وهو نبيذ العسل فقال كل شراب أسكر فهو حرام « خ 5586 م 2001 » أفيقول فقيه إن هذا اللفظ مخصوص بشراب العسل وهكذا هذا كما سألوه عن شيء من الذكاة فقال لهم كلاما عاما يشمل ذاك المسؤول عنه وغيره لأنه عليه السلام كان قد أوتي جوامع الكلم إذا تقرر هذا فما صدمه الكلب أو غمه بثقله ليس مما أنهر دمه فلا يحل لمفهوم هذا الحديث « فإن قيل » هذا الحديث ليس من هذا القبيل بشيء لأنهم إنما سألوه عن الآلة التي يذكى بها ولم يسألوه عن الشئ الذي يذكى ولهذا استثنى من ذلك السن والظفر حيث قال ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة « خ 5503 م 1968 » والمستثنى يدل على جنس المستثنى منه وإلا لم يكن متصلا فدل على أن المسؤول عنه الآلة فلا يبقى فيه دلالة لما ذكرتم « فالجواب » عن هذا بأن في الكلام ما يشكل عليكم أيضا حيث يقول ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ولم يقل فاذبحوا به فهذا يؤخذ منه الحكمان معا يؤخذ حكم الآلة التي يذكى بها وحكم المذكي وأنه لابد من إنهار دمه بآلة ليست سنا ولا ظفرا هذا مسلك والمسلك الثاني طريقة المزني وهي أن السهم جاء التصريح فيه بأنه إن قتل بعرضه فلا تأكل وإن خزق فكل والكلب جاء مطلقا فيحمل على ما قيد هناك من الخزق لأنهما اشتركا في الموجب وهو الصيد فيجب الحمل هنا وإن اختلف السبب كما وجب حمل مطلق الإعتاق في الظهار على تقييده بالإيمان في القتل بل هذا أولى وهذا يتوجه له على من يسلم له أصل هذه القاعدة من حيث هي وليس فيها خلاف بين الأصحاب قاطبة فلا بد لهم من جواب عن هذا وله أن يقوله هذا قتله الكلب بثقله فلم يحل قياسا على ما قتله السهم بعرضه والجامع أن كلا منهما آلة للصيد وقد مات بثقله ولا يعارض ذلك بعموم الآية لأن القياس مقدم على العموم كما هو مذهب الأئمة الأربعة والجمهور وهذا مسلك حسن أيضا « مسلك آخر » وهو أن قوله تعالى « فكلوا مما أمسكن عليكم » عام فيما قتلن بجرح أو غيره لكن هذا المقتول على هذه الصورة المتنازع فيه لا يخلوا إما أن يكون نطيحا أو في حكمه أو منخنقا أو في حكمه وأيا ما كان فيجب تقديم هذه الآية على تلك لوجوه « أحدها » أن الشارع قد اعتبر حكم هذه الآية حالة الصيد حيث يقول لعدي بن حاتم وإن أصابه بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله « خ 5475 م 1929 » ولم نعلم أحدا من العلماء فصل بين حكم وحكم من هذه الآية فقال إن الوقيذ معتبر حالة الصيد والنطيح ليس معتبرا فيكون القول بحل المتنازع فيه خرقا للإجماع لا قائل به وهو محظور عند كثير من العلماء « الثاني » أن تلك الآية « فكلوا مما أمسكن عليكم » ليست على عمومها بالإجماع بل مخصوصة بما صدن من الحيوان المأكول وخرج من عموم لفظها الحيوان غير المأكول بالإتفاق والعموم المحفوظ مقدم على غير المحفوظ « المسلك الآخر » أن هذا الصيد والحالة هذه في حكم الميتة سواء لأنه قد إحتقن فيه الدماء وما يتبعها من الرطوبات فلا تحل قياسا على الميتة « المسلك الآخر » أن آية التحريم أعني قوله حرمت عليكم الميتة إلى آخرها محكمة لم يدخلها نسخ ولا تخصيص وكذا ينبغي أن تكون آية التحليل محكمة أعني قوله تعالى « يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات » الآية فينبغي أن لا يكون بينهما تعارض أصلا وتكون السنة جاءت لبيان ذلك وشاهد ذلك قصة السهم فإنه ذكر حكم مادخل في هذه الآية وهو ماإذا خزقه المعراض فيكون حلالا لأنه من الطيبات وما دخل في حكم تلك الآية آية التحريم وهو ماإذا أصابه بعض فلا يؤكل لأنه وقيذ فيكون أحد أفراد آية التحريم وهكذا يجب أن يكون حكم هذا سواء إن كان قد جرحه الكلب فهو داخل في حكم آية التحليل وإن لم يجرحه بل صدمه أو قتله بثقله فهو نطيح أو في حكمهفلا يكون حلالا « فإن قيل » فلم لا فصل في حكم الكلب فقال ماذكرتم إن جرحه فهو حلال وإن لم يجرحه فهو حرام « فالجواب » أن ذلك نادر لأن من شأن الكلب أن يقتل بظفره أو نابه أو بهما معا وأما اصطدامه هو والصيد فنادر وكذا قتله إياه بثقله فلم يحتج إلى الإحتراز من ذلك لندوره أو لظهور حكمه عند من علم تحريم الميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وأما السهم والمعراض فتارة يخطئ لسوء رمي راميه أو للهو أو نحو ذلك بل خطؤه أكثر من إصابته فلهذا ذكر كلا من حكميه مفصلا والله أعلم ولهذا لما كان الكلب من شأنه أنه يأكل من الصيد ذكر حكم ما إذا أكل من الصيد فقال إن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه وهذا صحيح ثابت في الصحيحين « خ 5483 م 1929 » وهو أيضا مخصوص من عموم آية التحليل عند كثيرين فقالوا لا يحل ما أكل منه الكلب حكى ذلك عن أبي هريرة وابن عباس وبه قال الحسن والشعبي والنخعي وإليه ذهب أبو حنيفة وصاحباه وأحمد بن حنبل والشافعي في المشهور عنه وروى ابن جرير في تفسيره عن علي وسعيد وسلمان وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس أن الصيد يؤكل وإن أكل منه الكلب حتى قال سعيد وسلمان وأبو هريرة وغيرهم يؤكل ولو لم يبق منه إلا بضعة وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي في قوله القديم وأما في الجديد إلى قولين قال ذلك الإمام أبو نضر بن الصباغ وغيره من الأصحاب عنه وقد روى أبو داود « 2852 » بإسناد جيد قوي عن أبي ثعلبة الخشني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في صيد الكلب إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه وكل ماردت عليك يدك رواه أيضا النسائي « 7/191 د 2857 » من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال يا رسول الله فذكر نحوه وقال محمد بن جرير في تفسيره حدثنا عمران بن بكار الكلاعي حدثنا عبد العزيز بن موسى هو اللاحوني حدثنا محمد بن دينار هو الطاحي عن أبي إياس وهو معاوية بن قرة عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه وقد أكل منه فليأكل مابقي ثم إن جرير علله بأنه قد رواه أبو قتادة وغيره عن سعيد بن المسيب عن سلمان موقوفا وأما الجمهور فقدموا حديث عدي على ذلك وراموا تضعيف حديث أبي ثعلبة وغيره وقد حمله بعض العلماء على أنه إن أكل بعد ما انتظر صاحبه فطال عليه الفصل ولم يجئ فأكل منه لجوعه ونحوه فإنه لابأس بذلك والحالة هذه لا يخشى أنه إنما أمسك على نفسه بخلاف ما إذا أكل منه أول وهلة فإنه يظهر منه أنه أول وهلة فإنه يظهر منه أنه أمسك على نفسه والله أعلم فأما الجوارح من الطيور فنص الشافعي على أنها كالكلب فيحرم ما أكلت منه عند الجمهور ولايحرم عند الآخرين واختار المزني من أصحابنا أنه لا يحرم أكل ما أكلت منه الطيور والجوارح وهو مذهب أبي حنيفة وأحمد قالوا لأنه لا يمكن تعليمها كما يعلم الكلب بالضرب ونحوه وأيضا فإنها لا تعلم إلا بأكلها من الصيد فيعفى عن ذلك وأيضا فالنص إنما ورد في الكلب لا في الطير وقال الشيخ أبو علي في الإفصاح إذا قلنا يحرم ما أكل منه الكلب ففي تحريم ما أكل منه الطير وجهان وأنكر القاضي أبو الطيب هذا التفريع والترتيب لنص الشافعي رحمه الله على التسوية بينهما والله سبحانه وتعالى أعلم-وأما « المتردية » فهي التي تقع من شاهق أو عال فتموت بذلك فلا تحل قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس المتردية التي تسقط من جبل وقال قتادة هي التي تتردى في بئر وقال السدي هي التي تقع من جبل أو تتردى في بئر وأما « النطيحة » فهي التي ماتت بسبب نطح غيرها لها فهي حرام وإن جرحها القرن وخرج منها الدم ولو من مذبحها « والنطيحة » فعيلة بمعنى مفعولة أي منطوحة وأكثر ما ترد هذه البنية في كلام العرب بدون تاء التأنيث فيقولون عين كحيل وكف خضيب ولا يقولون كف خضيبة ولا عين كحيلة وأما هذه فقال بعض النحاة إنما استعمل فيها تاء التأنيث لأنها أجريت مجرى الأسماء كما في قولهم طريقة طويلة وقال بعضهم إنما أتى بتاء التأنيث فيها لتدل على التأنيث من أول وهلة بخلاف عين كحيل وكف خضيب لأن التأنيث مستفاد من أول الكلام وقوله تعالى « وما أكل السبع » أي ماعدا عليها أسد أو فهد أو نمر أو ذئب أو كلب فأكل بعضها فماتت بذلك فهي حرام وإن كان قد سال منها الدم ولو من مذبحها فلا تحل بالإجماع وقد كان أهل الجاهلية يأكلون ما أفضل السبع من الشاة أو البعير أو البقرة أو نحو ذلك فحرم الله ذلك على المؤمنين وقوله « إلا ما ذكيتم » عائد على ما يمكن عوده عليه مما انعقد سبب موته فأمكن تداركه بذكاة وفيه حياة مستقرة وذلك إنما يعود على قوله « والمنخنقة والموقوذة والمترديةوالنطيحة وما أكل السبع » قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله « إلا ما ذكيتم » يقول إلا ماذبحتم من هؤلاء وفيه روح فكلوه فهو ذكي وكذا روي عن سعيد بن جبير والحسن البصري والسدي وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا حفص بن غياث حدثنا جعفر بن محمد عن أبيه عن علي في الآية قال إن مصعت بذنبها أو ركضت برجلها أو طرفت بعينها فكل وقال ابن جرير حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا هشيم وعباد قالا حدثنا حدثنا حجاج عن حصين عن الشعبي عن الحارث عن علي قال إذا أدركت ذكاة الموقوذة والمتردية والنطيحة وهي تحرك يدا أو رجلا فكلها وهكذا روي عن طاووس والحسن وقتادة وعبيد بن عمير والضحاك وغير واحد أن المذكاة من تحركت بحركة تدل على بقاء الحياة فيها بعد الذبح فهي حلال وهذا مذهب جمهور الفقهاء وبه قال أبو حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل قال ابن وهب سئل مالك عن الشاة التي يخرق جوفها السبع حتى تخرج أمعاءها فقال مالك لا أرى ان تذكى أي شيء يذكى منها وقال أشهب سئل مالك عن الضبع يعدو على الكبش فيدق ظهره أترى أن يذكى قبل أن يموت فيؤكل فقال إن كان قد بلغ السحرة فلا أرى أن يؤكل وإن كان أصاب أطرافه فلا أرى بذلك بأسا قيل له وثب عليه فدق ظهره فقال لا يعجبني هذا لا يعيش منه قيل له فالذئب يعدو على الشاة فيثقب بطنها ولا يثقب الأمعاء فقال إذا شق بطنها فلا أرى أن تؤكل هذا مذهب مالك رحمه الله وظاهر الآية عام فيما استثناء مالك رحمه الله من الصور التي بلغ الحيوان فيها إلى حالة لا يعيش بعدها فيحتاج إلى دليل مخصص للآية والله أعلم وفي الصحيحين « خ 2488 م 1968 » عن رافع بن خديج أنه قال قلت يا رسول الله إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى أفنذبح بالقصب فقال ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه ليس السن والظفر وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدى الحبشة وفي الحديث الذي رواه الدارقطني « 4/283 »
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:04 am | |
| مرفوعا فيه نظر وروى عن عمر موقوفا وهو أصح ألا إن الذكاة في الحلق واللبة ولاتعجلوا الأنفس أن تزهق فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد « 4/334 » وأهل السنن « د 2825 ت 1481 س 7/228 جه 3184 » من رواية حماد بن سلمة عن أبي العسراء الدارمي عن أبيه قال قلت يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا من اللبة والحلق فقال لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك وهو حديث صحيح ولكنه محمول على ما لايقدر على ذبحه في الحلق واللبة وقوله « وماذبح على النصب » قال مجاهد وابن جريج كانت النصب حجارة حول الكعبة قال ابن جريج وهي ثلاث مئة وستون نصبا كانت العرب في جاهليتها يذبحون عندها وينضحون ما أقبل منها إلى البيت بدماء تلك الذبائح ويشرحون اللحم ويضعوه على النصب وكذا ذكره غير واحد فنهى الله المؤمنين على هذا الصنيع وحرم عليهم أكل هذه الذبائح التي فعلت عند النصب حتى ولو كان يذكر عليها اسم الله في الذبح عند النصب من الشرك الذي حرمه الله ورسوله وينبغي أن يحمل هذا على هذا لأنه قد تقدم تحريم ما أهل به لغير الله وقوله تعالى « وأن تستقسموا بالأزلام » أي حرم عليكم أيها المؤمنون الإستقسام بالأزلام واحدها زلم وقد تفتح الزاي فيقال زلم وقد كانت العرب في جاهليتها يتعاطون ذلك وهي عبارة عن قداح ثلاثة على أحدها مكتوب أفعل وعلى الآخر لا تفعل والثالث غفل ليس عليه شيء ومن الناس من قال مكتوب على الواحد أمرني ربي وعلى الآخر نهاني ربي والثالث غفل ليس عليه شيء فإذا أجالها فطلع سهم الأمر فعله أو النهي تركه وإن طلع الفارغ أعاد والإستقسام مأخوذ من طلب القسم من هذه الأزلام هكذا قرر ذلك أبو جعفر بن جرير وقال ابن حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا الحجاج بن محمد أخبرنا ابن جريج وعثمان بن عطاء عن عطاء عن ابن عباس « وأن تستقسموا بالأزلام » قال والأزلام قداح كانوا يستقسمون بها في الأمور وكذا روي عن مجاهد وإبراهيم النخعي والحسن البصري ومقاتل بن حيان وقال ابن عباس هي قداح كانوا يستقسمون بها الأمور ذكر محمد بن إسحاق وغيره أن أعظم أصنام قريش صنم كان يقال له هبل منصوب على بئر داخل الكعبة فيها توضع الهدايا وأموال الكعبة فيه وكان عنده سبعة أزلام مكتوب فيها ما يتحاكمون فيه مما أشكل عليهم فما خرج لهم منها رجعوا إليه ولم يعدلوا عنه وثبت في الصحيحين « خ 4288 » أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة وجد إبراهيم وإسماعيل مصورين فيها وفي أيديهما الأزلام فقال قاتلهم الله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها أبدا وفي الصحيح « خ 3906 » أن سراقة بن مالك بن جشعم لما خرج في طلب النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما ذاهبان إلى المدينة مهاجرين قال فاستقسمت بالأزلام هل أضرهم أم لا فخرج الذي أكره لا يضرهم فعصيتالأزلام واتبعتهم ثم إنه استقسم بها ثانية وثالثة كل ذلك يخرج الذي يكره لا يضرهم وكان كذلك وكان سراقة لم يسلم إذ ذاك ثم أسلم بعد ذلك وروى ابن مردويه من طريق إبراهيم بن يزيد عن رقبة عن عبد الملك بن عمير عن رجاء بن حيوة عن أبي الدرداء قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لن يلج الدرجات من تكهن أو استقسم أو رجع من سفر طائرا وقال مجاهد في قوله وأن تستقسموا بالأزلام قال هي سهام العرب وكعاب فارس والروم كانوا يتقامرون وهذا الذي ذكر عن مجاهد في الأزلام أنها موضوعة للقمار فيه نظر اللهم إلا أن يقال إنهم كانوا يستعملونها في الإستخارة تارة وفي القمار أخرى والله أعلم فإن الله سبحانه قد قرن بينها وبين القمار وهو الميسر فقال في آخر السورة « يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء » إلى قوله « منتهون » وهكذا قال ها هنا « وأن تستقسموا بالأزلام ذلكم فسق » أي تعاطيه فسق وغي وضلالة وجهالة وشرك وقد أمر الله المؤمنين إذا ترددوا في أمورهم أن يستخيروه بأن يعبدوه ثم يسألوه الخيرة في الأمر الذي يريدونه كما رواه الإمام أحمد « 3/344 » والبخاري « 6382 » وأهل السنن « د 1538 ت 480 س 6/80 جه 1383 » من طرق عن عبد الرحمن بن أبي الموالي عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الإستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن ويقول إذا هم أحدكم في الأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم هذا الأمر ويسميه باسمه خير لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه اللهم وإن كنت تعلم أنه شر لي في ديني ودنياي ومعاشي وعاقبة أمري فاصرفني عنه واصرفه عني واقدر لي الخير حيث كان ثم رضني به لفظ أحمد وقال الترمذي هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي الموالي وقوله « اليوم يئس الذين كفروا من دينكم » قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني يئسوا أن يراجعوا دينهم وكذا روي عن عطاء بن أبي رباح والسدي ومقاتل بن حيان وعلى هذا المعنى يرد الحديث الثابت في الصحيح « م 2812 » أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الشيطان قد يئس أن يعبدهالمصلون في جزيرة العرب ولكن بالتحريش بينهم ويحتمل أن يكون المراد أنهم يئسوا من مشابهة المسلمين لما تميز به المسلمون من هذه الصفات المخالفة للشرك وأهله ولهذا قال تعالى آمرا لعباده المؤمنين أن يصبروا ويثبتوا في مخالفة الكفار ولا يخافوا أحدا إلا الله « فلا تخشوهم واخشون » أي لا تخافوهم في مخالفتكم إياهم واخشوني أنصركم عليهم وأبيدهم وأظفركم بهم وأشف صدوركم منهم وأجعلكم فوقهم في الدنيا والآخرة وقوله « اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا » هذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة حيث أكمل تعالى لهم دينهم فلا يحتاجون إلى دين غيره ولا إلى نبي غير نبيهم صلوات الله وسلامه عليه ولهذا جعله الله تعالى خاتم الأنبياء وبعثه إلى الإنس والجن فلا حلال إلا ما أحله ولا حرام إلا ماحرمه ولا دين إلا ما شرعه وكل شيء أخبر به فهو حق وصدق لا كذب فيه ولاخلف كما قال تعالى « وتمت كلمات ربك صدقا وعدلا » أي صدقا في الأخبار وعدلا في الأوامر والنواهي فلما أكمل لهم الدين تمت عليهم النعمة ولهذا قال تعالى « اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا » أي فارضوه أنتم لأنفسكم فإنه الدين الذي أحبه الله ورضيه وبعث به أفضل الرسل الكرام وأنزل به أشرف كتبه وقال علي بن أبي طليحة عن ابن عباس قوله « اليوم أكملت لكم دينكم » وهو الإسلام أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم والمؤمنين أنه أكمل لهم الإيمان فلا يحتاجون إلى زيادة أبدا وقد أتمه الله فلا ينقصه أبدا وقد رضيه الله فلا يسخطه أبدا وقال اسباط عن السدي نزلت هذه الآية يوم عرفة ولم ينزل بعدها حلال ولاحرام ورجع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات قالت أسماء بنت عميس حجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحجة فبينما نحن نسير إذ تجلى له جبريل فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الراحلة فلم تطق الراحلة من ثقل ماعليها من القرآن فبركت فأتيته فسجيت عليه بردا كان علي وقال ابن جرير وغير واحد مات رسول الله صلىالله عليه وسلم بعد يوم عرفة بأحد وثمانين يوما رواهما ابن جرير ثم قال حدثنا سفيان بن وكيع حدثنا ابن فضيل عن هارون بن عنترة عن أبيه قال لما نزلت « اليوم أكملت لكم دينكم » وذلك يوم الحج الأكبر بكى عمر فقال النبي صلى عليه وسلم ما يبكيك قال أبكاني أنا كنا في زيادة من ديننا فأما إذا أكمل فإنه لم يكن شيء إلا نقص فقال صدقت ويشهد لهذا المعنى الحديث الثابت « م 145 » إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا فطوبى للغرباء وقال الإمام أحمد « 1/28 » حدثنا جعفر بن عون حدثنا أبو العميس عن قيس بن مسلم عن طارق بن شهاب قال جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين إنكم تقرؤون آية في كتابكم لو علينا يامعشر اليهود نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيدا قال وأي آية قال قوله اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي فقال عمر والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم عشية عرفة في يوم جمعة رواه البخاري « 45 » عن الحسن بن الصباح عن جعفر بن عون به ورواه أيضا مسلم « 3017 » والترمذي « 3043 » والنسائي « 5/251 » أيضا من طرق عن قيس بن مسلم به ولفظ البخاري عند تفسير هذه الآية من طريق سفيان الثوري عن قيس عن طارق قال قالت اليهود لعمر الله إنكم تقرؤون آية لو نزلت فينا لا تخذناها عيدا فقال عمر إني لأعلم حين أنزلت وأين أنزلت وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت يوم عرفة وأنا والله بعرفة قال سفيان وأشك كان يوم الجمعة أم لا « اليوم أكملت لكم دينكم » الآية وشك سفيان رحمه الله إن كان في الرواية فهو تورع حيث شك هل أخبره شيخه بذلك أم لا وإن كان شكا في كون الوقوف في حجة الوداع كان يوم جمعة فهذا ما أخاله يصدر عن الثوري رحمه الله فإن هذا أمر معلوم مقطوع به لم يختلف فيه أحد من أصحاب المغازي والسير ولا من الفقهاء وقد وردت في ذلك أحاديث متواترة لا يشك في صحتها والله أعلم وقد روي هذا الحديث من غير وجه عن عمر وقال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية أخبرنا رجاء بن أبي سلمة أخبرنا عبادة بن نسي أخبرنا أميرنا إسحاق قال أبو جعفر بن جرير هو إسحاق بن حرشة عن قبيصة يعني ابن أبي ذئب قال قال كعب لو أن غير هذه الأمة نزلت عليهم هذه الآية لنظروا اليوم الذي أنزلت فيه عليهم فاتخذوه عيدا يجتمعون فيه فقال عمر أي آية ياكعب فقال « اليوم أكملت لكم دينكم » فقال عمر قد علمت اليوم الذي أنزلتوالمكان الذي أنزلت فيه نزلت في يوم الجمعة ويوم عرفة وكلاهما بحمد الله لنا عيد وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا قبيصة حدثنا حماد بن سلمة عن عمار هو مولى بني هاشم أن ابن عباس قرأ « اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا » فقال يهودي لو نزلت هذه الآية علينا لاتخذنا يومها عيدا فقال ابن عباس فإنها نزلت في يوم عيدين اثنين يوم عيد ويوم جمعة وقال ابن مردويه حدثنا أحمد بن كامل حدثنا موسى بن هارون حدثنا يحيى الحماني حدثنا قيس بن الربيع عن إسماعيل بن سليمان عن ابن عمر البزار عن ابن الحنفية عن علي قال نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قائم عشية عرفة « اليوم أكملت لكم دينكم » وقال ابن جرير حدثنا أبو عامر إسماعيل بن عمرو السكوني حدثنا هشام بن عمار حدثنا ابن عياش حدثنا عمرو بن قيس السكوني أنه سمع معاوية بن أبي سفيان على المنبر ينتزع بهذه الآية « اليوم أكملت لكم دينكم » حتى ختمها فقال نزلت في يوم عرفة في يوم جمعة وروى ابن مردويه من طريق محمد بن إسحاق عن عمر بن موسى بن وجيه عن قتادة عن الحسن عن سمرة قال نزلت هذه الآية « اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا » يوم عرفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف على الموقف فأما مارواه ابن جرير وابن مردويه والطبراني من طريق ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حنش بن عبد الله الصنعاني عن ابن عباس قال ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين وخرج من مكة يوم الإثنين ودخل المدينة يوم الإثنين وفتح بدرا يوم الإثنين وأنزلت سورة المائدة يوم الإثنين اليوم أكملت لكم دينكم ورفع الذكر يوم الإثنين فإنه أثر غريب وإسناده ضعيف وقد رواه الإمام أحمد حدثنا موسى بن داود حدثنا ابن لهيعة عن خالد بن أبي عمران عن حنش الصغاني عن ابن عباس قال ولد النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين واستنبئ يوم الإثنين وخرج مهاجرا من مكة إلى المدينة يوم الإثنين وقدم المدينة يوم الإثنين وتوفي يوم الإثنين ووضع الحجر الاسود يوم الإثنين هذا لفظ أحمد ولم يذكر نزول المائدة يوم الإثنين فالله أعلم ولعل ابن عباس أراد أنها نزلت يوم عيديناثنين كما تقدم فاشتبه على الراوي والله أعلم وقال ابن جرير وقد قيل ليس ذلك بيوم معلوم عند الناس ثم روى من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله « اليوم أكملت لكم دينكم » فيقول ليس بيوم معلوم عند الناس قال وقد قيل إنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسيره إلى حجة الوداع ثم رواه من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع ابن أنس قلت وقد روى ابن مردويه من طريق أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم حين قال لعلي من كنت مولاه فعلي مولاه ثم رواه عن أبي هريرة وفيه أنه اليوم الثامن عشر من ذي الحجة يعني مرجعه عليه السلام من حجة الوداع ولا يصح لا هذا ولا هذا بل الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية أنها أنزلت يوم عرفة وكان يوم جمعة كما روى ذلك أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأول ملوك الإسلام معاوية بن أبي سفيان وترجمان القرآن عبد الله بن عباس وسمرة بن جندب رضي الله عنه وأرسله الشعبي وقتادة بن دعامة وشهر بن حوشب وغير واحد من الأئمة والعلماء واختاره ابن جرير الطبري رحمه الله وقوله « فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم » أي فمن احتاج إلى تناول شيء من هذه المحرمات التي ذكرها الله تعالى لضرورة ألجأته إلى ذلك فله تناوله والله غفور رحيم له لأنه تعالى يعلم حاجة عبده المضطر وافتقاره إلى ذلك فيتجاوز عنه ويغفر له وفي المسند « 2/108 » وصحيح ابن حبان « 2742 » عن ابن عمر مرفوعا قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله يحب أن تؤتى رخصته كما يكره أن تؤتى معصيته لفظ ابن حبان وفي لفظ لأحمد « 2/71 » من لم يقبل رخصة الله كان عليه من الإثم مثل جبال عرفة ولهذا قال الفقهاء قد يكون تناول الميتة واجبا في بعض الأحيان وهو ما إذا خاف على نفسه ولم يجد غيرها وقد يكون مندوبا وقد يكون مباحا بحسب الأحوال-اختلاف العلماء في رخصة أكل ما حرم الله-واختلفوا هل يتناول منها قدر ما يسد به الرمق أو له أن يشبع أو يشبع ويتزود على أقوال كما هو مقرر في كتاب الأحكام وفيما إذا وجد ميتة وطعام الغير أو صيدا وهو محرم هل يتناول الميتة أو ذلك الصيد ويلزمه الجزاء أو ذلك الطعام ويضمن بدله على قولين هما قولان للشافعي رحمه الله وليس من شرط جواز تناول الميتة يمضي عليه ثلاثة أيام لا يجد طعاما كما قد يتوهمه كثير من العوام وغيرهم بل متى اضطر 9إلى ذلك جاز له وقد قال الإمام أحمد « 5/218 » حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثنا حسان بن عطية عن أبي واقد الليثي أنهم قالوا يا رسول الله إنا بأرض تصيبنا بها المخمصة فمتى تحل لنا بها الميتة فقال إذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا ولم تجتفؤا بها بقلا فشأنكم بها تفرد به أحمد من هذا الوجه وهو إسناد صحيح على شرط الشيخين وكذا رواه ابن جرير عن عبد الأعلى بن واصل عن محمد بن القاسم الأسدي عن الأوزاعي به لكن رواه بعضهم عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن مسلم بن يزيد عن أبي واقد به ومنهم من رواه عن الأوزاعي عن حسان بن مرثد أو أبي مرثد عن أبي واقد به ورواه ابن جرير عن هناد بن السري عن عيسى بن يونس عن الأوزاعي عن حسان عن رجل قد سمى له فذكره ورواه أيضا عن هناد عن ابن المبارك عن الأوزاعي عن حسان مرسلا وقال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية عن ابن عون قال وجدت عند الحسن كتاب سمرة فقرأته عليه فكان فيه ويجزئ من الأضرار غبوق أو صبوح حدثنا أبو كريب حدثنا هشيم عن الخصيب بن زيد التميمي حدثنا الحسن أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال متى يحل الحرام قال فقال إلى متى يروى أهلك من اللبن أو تجئ ميرتهم حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة عن ابن إسحاق حدثني عمر بن عبد الله بن عروة عن جده عروة بن الزبير عن جدته أن رجلا من الأعراب أتى النبي صلى الله عليه وسلم يستفتيه في الذي حرم الله عليه والذي أحل له فقال النبي صلى الله عليه وسلم يحل لك الطيبات ويحرم عليك الخبائث إلا أن تفتقر إلى طعام لك فتأكل منه حتى تستغني عنه فقال الرجل ومافقري الذي يحل لي وما غنائي الذي يغنيني عن ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا كنت ترجو غناء تطلبه فتبلغ من ذلك شيئا فأطعم أهلك مابدا لك حتى تستغني عنه فقال الأعرابي ماغنائي الذي أدعه إذا وجدته فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا رويت أهلك غبوقا من الليل فاجتنب ماحرم الله عليك من طعام مالك فإنه ميسور كله فليس فيه حرام ومعنى قوله ما لم تصطبحوا يعني به الغداء وما لم تغتبقوا يعني به العشاء أو تحتفئوا بقلا فشأنكم بها فكلوا منها وقال ابن جرير يروى هذا الحرف يعني قوله أو تحتفئواعلى أربعة أوجه تحتفئوا بالهمزة و تحتفيوا بتخفيف الياء والحاء وتحتفوا بتشديد وتحتفوا بالحاء وبالتخفيف ويحتمل الهمز كذا رواه في التفسير « حديث آخر » قال أبو داود « 3817 » حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا الفضل بن دكين حدثنا عقبة بن وهب بن عقبة العامري سمعت أبي يحدث عن النجيع العامري أنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ما يحل لنا من الميتة قال ماطعامكم قلنا نصطبح ونغتبق قال أبو نعيم فسره لي عقبة قدح غدوة وقدح عشية قال ذاك وأبي الجوع وأحل لهم الميتة على هذه الحال تفرد به أبو داود وكأنهم كانوا يصطبحون ويغتبقون شيئا لا يكفيهم فأحل لهم الميتة لتمام كفايتهم وقد يحتج من يرى جواز الأكل منها حتى يبلغ حد الشبع ولا يتقيد ذلك بسد الرمق والله أعلم « حديث آخر » قال أبو داود « 3816 » حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا سماك عن جابر بن سمرة أن رجلا نزل الحرة ومعه أهله وولده فقال له رجل إن ناقتي ضلت فإن وجدتها فأمسكها فوجدها ولم يجد صاحبها فمرضت فقالت له امرأته إنحرها فأبى فنفقت فقالت له امرأته إسلخها حتى تقدد شحمها ولحمها فنأكله قال لا حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فسأله فقال هل عندك غنى يغنيك قال لا قال فكلوها قال فجاء صاحبها فأخبره الخبر فقال هلا كنت نحرتها قال إستحييت منك تفرد به وقد يحتج من يجوز الأكل والشبع والتزود منها مدة يغلب على ظنه الاحتياج إليها والله أعلم-وقوله « غير متجانف لإثم » أي متعاط لمعصية الله فإن الله قد أباح ذلك له وسكت عن الآخر كما قال في سورة البقرة « فمن إضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم » وقد إستدل بهذه الآية من يقول بأن العاصي بسفره لا يترخص بشيء من رخص السفر لأن الرخص لا تنال بالمعاصي والله أعلم
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير | |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:05 am | |
| 4-يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ
لما ذكر تعالى ماحرمه في الآية المتقدمة من الخبائث الضارة لمتناولها إما في بدنه أو في دينه أو فيهما واستثنى مااستثناه في حالة الضرورة كما قال « وقد فصل لكم ماحرم عليكم إلا مااضطررتم إليه » قال بعدها « يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات » كما في سورة الأعراف في صفة محمد صلى الله عليه وسلم أنه يحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير حدثني عبد الله بن لهيعة حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير عن عدي بن حاتم وزيد بن المهلهل الطائيين سألا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا يا رسول الله قد حرم الله الميتة فماذا يحل لنا فنزلت « يسألونك ماذا أحل لهم قال أحل لكم الطيبات » قال سعيد يعني الذبائح الحلال الطيبة لهم وقال مقاتل الطيبات ما أحل لهم من كل شيء أن يصيدوه وهو الحلال من الرزق وقد سئل الزهري عن شرب البول للتداوي فقال ليس هو من الطيبات رواه ابن أبي حاتم وقال ابن وهب سئل مالك عن بيع الطين الذي يأكله الناس فقال ليس هو من الطيبات وقوله تعالى « وما علمتم من الجوارح مكلبين » أي أحل لكم الذبائح التي ذكر اسم الله عليها والطيبات من الرزق وأحل لكم ماصدتموه بالجوارح وهي الكلاب والفهود والصقور وأشباهها كما هو مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين والأئمة وممن قال ذلك على بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله « وما علمتم من الجوارح مكلبين » وهن الكلاب المعلمة والبازي وكل طير يعلم للصيد والجوارح يعني الكلاب الضواري والفهود والصقور وأشباهها رواه ابن أبي حاتم ثم قال وروي عن خيثمة وطاوس ومجاهد ومكحول ويحيى بن أبي كثير نحو ذلك وروي عن الحسن أنه قال الباز والصقر من الجوارح وروي عن علي بن الحسين مثله ثم روي عن مجاهد أنه كره صيد الطير كله وقرأ قوله « وما علمتم من الجوارح مكلبين » قال وروي عن سعيد بن جبير نحو ذلك ونقله ابن جرير عن الضحاك والسدي ثم قال حدثنا هناد حدثنا ابن أبي زائدة أخبرنا ابن جريج عن نافع عن ابن عمر قال أما ما صاد من الطير البازات وغيرها من الطير فما أدركت فهو لك وإلا فلا تطعمه قلت والمحكي عن الجمهور أن الصيد بالطيور كالصيد بالكلاب لأنها تكلب الصيد بمخالبها كما تكلبهالكلاب فلا فرق وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم واختاره ابن جرير واحتج ذلك بما رواه عن هناد حدثنا عيسى بن يونس عن مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال ما أمسك عليك فكل واستثنى الإمام أحمد صيد الكلب الأسود لأنه عنده مما يجب قتله ولا يحل اقتناؤه لما ثبت في صحيح مسلم « 510 » عن أبي ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يقطع الصلاة الحمار والمرأة والكلب الأسود فقلت مابال الكلب الأسود من الأحمر فقال الكلب الأسود شيطان وفي الحديث الآخر « م 1572 » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ثم قال ما بالهم وبال الكلاب اقتلوا منها كل أسود بهيم وسميت هذه الحيوانات التي يصطاد بهن جوارح من الجرح وهو الكسب كما تقول العرب فلان جرح أهله خبرا أي كسبهم خبرا ويقولون فلان لاجارح له أي له وقال الله تعالى « ويعلم ماجرحتم بالنهار » أي ماكسبتم من خير وشر وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية الشريفة الحديث الذي رواه ابن أبي حاتم حدثنا حجاج بن حمزة حدثنا زيد بن الحباب حدثني موسى بن عبيدة حدثني أبان بن صالح عن القعقاع بن حكيم عن سلمى أم رافع عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب فقلت فجاء الناس فقالوا يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها فسكت فأنزل الله « يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين » الآية فقال النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرسل الرجل كلبه وسمى فأمسك عليه فليأكل ما لم يأكل وهكذا رواه ابن جرير عن أبي كعب عن زيد بن الحباب بإسناده عن أبي رافع قال جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليستأذن عليه فأذن له فقال قد أذن لك يا رسول الله قال أجل ولكنا لا ندخل بيتا فيه كلب قال أبو رافع فأمرني أن أقتل كل كلب بالمدينة حتى انتهيت إلى امرأة عندها كلب ينبح عليها فتركته رحمة لها ثم جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فأمرني فرجعت إلى الكلب فقتلته فجاؤا فقالوا يا رسول الله ما يحل لنا من هذه الأمة التي أمرت بقتلها قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فأنزل الله عز وجل « يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما عملتم من الجوارح مكلبين » ورواه الحاكم في مستدركه « 2/311 » من طريق محمد بن إسحاق عن أبان بن صالح به وقال صحيح ولم يخرجاه وقال ابن جرير حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثنا حجاجعن ابن جريج عن عكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع في قتل الكلاب حتى بلغ العوالي فجاء عاصم بن عدي وسعد بن خيثمة وعويم بن ساعدة فقالوا ماذا أحل لنا يا رسول الله فنزلت الآية ورواه الحاكم من طريق سماك عن عكرمة وكذا قال محمد بن كعب القرظي في سبب نزول هذه الآية أنه في قتل الكلاب وقوله تعالى « مكلبين » يحتمل أن يكون حالا من الضمير في علمتم فيكون حالا من الفاعل ويحتمل أن يكون حالا من المفعول وهو الجوارح أي وماعلمتم من الجوارح في حال كونهن مكلبات للصيد وذلك أن تقتنصه بمخالبها أو أظفارها فيستدل بذلك والحالة هذه أن الجارح إذا قتل الصيد بصدمته ولا بمخلابه وظفره أنه لا يحل كما هو أحد قولي الشافعي وطائفة من العلماء ولهذا قال « تعلمونهن مما علمكم الله » وهو أنه إذا أرسله استرسل وإذا أشلاه استشلى وإذا أخذ الصيد أمسكه على صاحبه حتى يجئ إليه ولايمسكه لنفسه ولهذا قال تعالى « فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه » فمتى كان الجارح معلما وأمسك على صاحبه وكان قد ذكر اسم الله عليه وقت إرساله حل الصيد وإن قتله بالإجماع-الصيد-وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه الآية الكريمة كما ثبت في الصحيحين « خ 5477 م 1929 » عن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله أني أرسل الكلاب المعلمة وأذكر اسم الله فقال إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك قلت وإن قتلن قال وإن قتلن ما لم يشركها كلب ليس منها فأنك إنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره فأصيب قلت له فإني أرمي بالمعراض الصيد فقال إذا رميت بالعراض فخرق فكله وإن أصابه بعرض فإنه وقيذ فلا تأكله وفي لفظ لهما إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله عليه فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاته وفي رواية لهما فإن أكل فلا تأكل فأني أخاف أن يكون أمسك على نفسه فهذا دليل للجمهور وهو الصحيح من مذهب الشافعي وهو أنه إذا أكل الكلب من الصيد يحرم مطلقا ولم يستفصلوا كما ورد بذلك الحديث وحكى عن طائفة من السلف أنهم قالوا لا يحرم مطلقا « ذكر الآثار بذلك » قال ابن جرير حدثنا هناد حدثنا وكيع عن شعبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب قال قال سلمان الفارسي كل وإن أكل ثلثيه يعني الصيد إذا أكل منه الكلب وكذا رواه سعيد بن أبي عروبة وعمر بن عامر عن قتادة وكذا رواه محمد بن يزيد عن سعيد بن المسيب عن سلمان ورواه ابن جرير أيضا عن مجاهد بن موسى عن يزيد عن بكر بن عبد الله المزني والقاسم أن سلمان قال إذا أكل الكلب فكل وإن أكل ثلثيه وقال ابن جرير حدثنا يونس عن عبد الأعلى أخبرنا ابن وهب أخبرني مخرمة بن بكير عن أبيه عن حميد بن مالك بن خثيم الدؤلي أنه سأل سعد بن أبي وقاص عن الصيد يأكل منه الكلب فقال كل وإن لم يبق منه إلا حذية يعني بضعة ورواه شعبة عن عبد ربه بن سعيد عن بكير بن الأشج عن سعيد بن المسيب عن سعد بن أبي وقاص قال كل وإن أكل ثلثيه وقال ابن جرير حدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الأعلى حدثنا داود عن عامر عن أبي هريرة قال إذا أرسلت كلبك فأكل منه فإن أكل ثلثيه وبقي ثلثه فكل وقال ابن جرير حدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا المعتمر قال سمعت عبيد الله وحدثنا هناد حدثنا عبدة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن عبد الله بن عمر قال إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك أكل أو لم يأكل وكذا رواه عبيد الله بن عمر وابن أبي ذئب وغير واحد عن نافع فهذه الآثار ثابتة عن سلمان وسعد بن أبي وقاص وأبي هريرة وابن عمر وهو محكي عن علي وابن عباس واختلف فيه عن عطاء والحسن البصري وهو قول الزهري وربيعة ومالك وإليه ذهب الشافعي في القديم وأومأ اليه في الجديد وقد روي من طريق سلمان الفارسي مرفوعا فقال ابن جرير حدثنا عمران بن بكار الكلاعي حدثنا عبد العزيز بن موسى اللاحوني حدثنا محمد بن دينار وهو الطاحي عن أبي إياس معاوية بن قرة عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه وقد أكل منه فليأكل مابقي ثم قال ابن جرير وفي إسناد هذا الحديث نظر وسعيد غير معلوم له سماع من سلمان والثقات يروونه من كلام سلمان غير مرفوع وهذا الذي قاله ابن جرير صحيح لكن قد روي هذا المعنى مرفوعا من وجوه أخر فقال أبو داود « 2857 » حدثنا محمد بن منهال الضرير حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حبيب المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن كان لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكن عليك فقال ذكيا وغير ذكي وإن أكل منه قال نعم وإن أكل منه فقال يا رسول الله أفتني في قوسي قال كل ماردت عليك قوسك قال ذكيا وغير ذكي قال وإن تغيب عنك ما لم يصل أو تجد فيه أثر غير سهمك قال أفتني في آنية المجوس إذا اضطررنا إليها فقال اغسلها وكل فيها هكذا رواه أبو داود وقد أخرجه النسائي « 7/191 » وكذا رواه أبو داود « 2852 » عن طريق بسر بن عبيد الله عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ثعلبة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه وكل ماردت عليك يدك وهذان إسنادان جيدان وقد روى الثوري عن سماك بن حرب عن عدي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كان من كلب ضار أمسك عليك فكل قلت وإن أكل قال نعم وروى عبد الملك بن حبيب حدثنا أسد بن موسى عن ابن أبي زائدة عن الشعبي عن عدي بمثله فهذه آثار دالة على أنه يغتفر وإن أكل منه الكلب وقد إحتج بها من لم يحرم الصيد بأكل الكلب وما أشبه كما تقدم عمن حكيناه عنهم وقد توسط آخرون فقالوا إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم لحديث عدي بن حاتم وللعلة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وسلم فإن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه وأما إن أمسكه ثم انتظر صاحبه فطال عليه وجاع فأكل منه لجوعه فإنه لا يؤثر في التحريم وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني وهذا تفريق حسن وجع بين الحديثين صحيح وقد تمنى الأستاذ أبو المعالي الجويني في كتابه النهاية أن لو فصل مفصل هذا التفصيل وقد حقق الله أمنيته وقال بهذا القول والتفريق طائفة من الأصحاب منهم وقال آخرون قولا رابعا في المسألة وهو التفرقة بين أكل الكلب فيحرم لحديث عدي وبين أكل الصقور ونحوها فلا يحرم لأنه لا يقبل التعليم إلا بالأكل وقالابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا أسباط بن محمد حدثنا أبو إسحاق الشيباني عن حماد عن إبراهيم عن أبي عباس أنه قال في الطير إذا أرسلته فقتل فكل فإن الكلب إذا ضربته لم يعد وإن تعلم الطير أن يرجع صاحبه وليس يضرب فإذا أكل من الصيد ونتف الريش فكل وكذا قال إبراهيم النخعي والشعبي وحماد بن أبي سليمان وقد يحتج لهؤلاء بما رواه ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد حدثنا المحاربي حدثنا مجالد عن الشعبي عن عدي بن حاتم قال قلت يا رسول الله إنا قوم نصيد بالكلاب والبزاة فما يحل لنا منها قال يحل لكم ماعلمتم من الجوارح مكلبين تعلموهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه ثم قال ما أرسلت من كلب وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك قلت وإن قتل قال وإن قتل ما لم يأكل قلت يا رسول الله وإن خالطت كلابنا كلابا غيرها فلا تأكل حتى تعلم أن كلبك هو الذي أمسك قال قلت إنا قوم نرمي فما يحل لنا قال ماذكرت اسم الله عليه وخزقت فكل فوجه الدلالة لهم أنه اشترط في الكلب أن لا يأكل ولم يشترط ذلك في البزاة فدل على التفرقة بينهما في الحكم والله أعلم-وقوله تعالى « فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه » أي عند إرساله كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك وفي حديث أبي ثعلبة المخرج في الصحيحين أيضا « خ 5478 م 1930 » إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله وإذا رميت بسهمك فاذكر اسم الله ولهذا اشترط من اشترط من الأئمة كالإمام أحمد رحمه الله في المشهور عنه التسمية عند إرسال الكلب والرمي بالسهم لهذه الآية وهذا الحديث وهذا القول هو المشهور عن الجمهور أن المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الإرسال كما قال السدي وغيره وقال علي بن أبي طلحة عن أبي عباس في قوله « واذكروا اسم الله عليه » يقول إذا أرسلت جارحك فقل بسم الله وإن نسيت فلا حرج-التسمية عند الأكل-وقال بعض الناس المراد بهذه الآية الأمر بالتسمية عند الأكل كما ثبت في الصحيحين « خ 5376 م 2022 » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علم ربيبه عمر بن أبي سلمة فقال بسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك وفي صحيح البخاري « 7398 » عن عائشة أنهم قالوا يا رسول الله إن قوما يأتوننا حديث عهدهم بكفر بلحمان لا ندري أذكر اسم الله عليها أم لا فقال سموا الله أنتم وكلوا « حديث آخر » وقال الإمام أحمد « 6/143 » حدثنا يزيد حدثنا هشام عن بديل عن عبد الله بن عبيد بن عمير عنعائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل الطعام في ستة نفر من أصحابه فجاء أعرابي فأكله بلقمتين فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما إنه لو كان ذكر اسم الله لكفاكم فإذا أكل أحدكم طعاما فليذكر اسم الله فإن نسي أن يذكر اسم الله في أوله فليقل بسم الله أوله وآخره وهكذا رواه ابن ماجة « 3264 » عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون به وهذا منقطع بين عبد الله بن عبيد بن عمير وعائشة فإنه لم يسمع منها هذا الحديث بدليل ما رواه الإمام أحمد « 6/265 » حدثنا عبد الوهاب أخبرنا هشام يعني ابن أبي عبد الله الدستوائي عن بديل عن عبد الله بن عبيد بن عمير أن امرأة منهم يقال لها أم كلثوم حدثته عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأكل طعاما في ستة نفر من أصحابه فجاء أعرابي جائع فأكله بلقمتين فقال أما إنه لو ذكر اسم الله لكفاكم فإدا أكل أحدكم فليذكر اسم الله فإن نسي اسم الله في أوله فليقل باسم الله أوله وآخره رواه أحمد أيضا « 6/246 » وأبو داود « 3767 » والترمذي « 1858 » والنسائي « عمل 281 » من غير وجه عن هشام الدستوائي به وقال الترمذي حسن صحيح « حديث آخر » وقال أحمد « 4/336 » حدثنا علي بن عبد الله حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا جابر بن صبح حدثني المثنى بن عبد الرحمن الخزاعي وصحبته إلى واسط فكان يسمي في أول طعامه وفي آخر لقمة يقول بسم الله أوله وآخره فقلت له إنك تسمي في أول ما تأكل أرأيت قولك في آخر ما تأكل بسم الله أوله وآخره فقال أخبرك أن جدي أمية بن مخشي وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم سمعته يقول إن رجلا يأكل والنبي ينظر فلم يسم حتى كان في آخر طعامه لقمة قال بسم الله أوله وآخره فقال النبي صلى الله عليه وسلم والله ما زال الشيطان يأكل معه حتى سمى فلم يبق شيء في بطنه حتى قاءه وكذا رواه أبو داود « 3868 » والنسائي « عمل 282 » من حديث جابر بن صبح الراسي أبي بشر البصري وثقه ابن معين والنسائي وقال أبو الفتح الأزدي لا تقوم به الحجة « حديث آخر » قال الإمام أحمد « 5/382 » حدثنا الأعمش عن خيثمة عن أبي حذيفة قال أبو عبد الرحمن عن عبد الله بن الإمام أحمد واسمه سلمة بن الهيثم بن صهيب من أصحاب ابن مسعود عن حذيفة قال كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم على طعام لم نضع أيدينا حتىيبدأ رسول الله فيضع يده وإنا حضرنا معه طعاما ما فجاءت جارية كأنما تدفع فذهبت تضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يدها وجاء أعرابي كأنما يدفع فذهب يضع يده في الطعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الشيطان يستحل الطعام إذا لم يذكر اسم الله عليه وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها فأخذت يدها وجاء بهذا الأعرابي ليستحل به فأخذت بيده والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يديهما يعني الشيطان وكذا رواه مسلم « 2017 » وأبو داود « 3766 » والنسائي « عمل 273 » من حديث الأعمش به « حديث آخر » روى مسلم « 2018 » وأهل السنن « د 3765 س عمل 178 جه 3887 » إلا الترمذي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا دخل الرجل بيته قد ذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لا مبيت لكم ولا عشاء وإذا دخل ولم يذكر اسم الله عند دخوله فإن الشيطان أدركتم المبيت فإذا لم يذكر اسم الله عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء لفظ أبي داود « حديث آخر » قال الإمام أحمد « 3/501 » حدثنا يزيد بن عبد ربه حدثنا الوليد بن مسلم عن وحشي بن حرب بن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم إنا نأكل وما نشبع قال فلعلكم تأكلون متفرقين إجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه رواه أبو داود « 3764 » وابن ماجة « 2386 » عن طريق الوليد بن مسلم
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:06 am | |
| 5-الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
لما ذكر تعالى ما حرمه على عباده المؤمنين من الخبائث وما أحله لهم من الطيبات قال بعده « اليوم أحل لكم الطيبات » ثم ذكر حكم ذبائح أهل الكتابين من اليهود والنصارى فقال « وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم » قال ابن عباس وأبو أمامة ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء والحسن ومكحول وإبراهيم النخعي والسدي ومقاتل بن حيان يعني ذبائحهم وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله وإن اعتقدوا فيه تعالى ماهو منزه عنه تعالى وتقدس وقد ثبت في الصحيح « خ 3153 م 1772 » عن عبد الله بن مغفل قال أدلى بجراب من شحم يوم خيبر فحضنته وقلت لا أعطي اليوم من هذا أحدا والتفت فإذا النبي صلى الله عليه وسلم يبتسم فاستدل به الفقهاء على أنه يجوز تناول ما يحتاج إليه من الأطعمة ونحوها من الغنيمة قبل القسمة وهذا ظاهر واستدل به الفقهاء الحنفية والشافعية والحنابلة على أصحاب مالك في منعهم أكل ما يعتقد اليهود تحريمه من ذبائحهم كالشحوم ونحوها مما حرم عليهم فالمالكية لا يجوزون للمسلمين أكله لقوله تعالى « وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم » قالوا وهذا ليس من طعامهم واستدل عليهم الجمهور بهذا الحديث وفي ذلك نظر لأنه قضية عين ويحتمل أن يكون شحما يعتقدون أنه كشحم الظهر والحوايا ونحوهما والله أعلم وأجود منه في الدلالة ماثبت في الصحيح أنه أهل خيبر أهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية وقد سموا ذراعها وكان يعجبه الذراع فتناول فنهش منه نهشة فأخبره الذراع أنه مسموم فلفظه وأثر ذلك في ثنايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي أبهره وأكل منها بشر بن البراء بن معرور فمات فقتل اليهودية التي سمتها وكان اسمها زينب فقتلت بشر بن البراء ووجه الدلالة منه أنه عزم على أكلها ومن معه ولم يسألهم هل نزعوا منها ما يعتقدون تحريمه من شحمها أم لا وفي الحديث الآخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أضافه يهودي على خبز شعير وإهالة سنخة يعني ودكا زنخا وقال ابن أبي حاتم قرئ على العباس بن الوليد بن مزيد أخبرنا محمد بن شعيب أخبرني النعمان بن المنذر عن مكحول قال أنزل الله « ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه » ثم نسخه الرب عز وجل ورحم المسلمين فقال « اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب » فنسخها بذلك وأحل طعام أهل الكتاب وفي هذا الذي قاله مكحول رحمه الله نظر فإنه لا يلزم من إباحته طعام أهل الكتاب إباحة أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لأنهميذكرون اسم الله على ذبائحهم وقرابينهم وهم متعبدون بذلك ولهذا لم يبح ذبائح من عداهم من أهل الشرك ومن شابههم لأنهم لا يذكرون اسم الله على ذبائحهم بل ولا يتوقفون فيما يأكلونه من اللحم على ذكاة بل يأكلون الميتة بخلاف أهل الكتابين ومن شاكلهم من السامرة والصائبة ومن يتمسك بدين إبراهيم وشيث وغيرهما من الأنبياء على أحد قولي العلماء ونصارى العرب كبني تغلب وتنوخ وبهرا وجذام ولخم وعاملة ومن أشبههم لا تؤكل ذبائحهم عند الجمهور وقال أبو جعفر بن جرير حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية عن أيوب عن محمد بن عبيدة قال قال علي لا تأكلوا ذبائح بني تغلب لأنهم إنما يتمسكون من النصرانية بشرب الخمر وكذا قال غير واحد من الخلف والسلف وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب والحسن أنهما كانا لا يريان بأسا بذبيحة نصارى بني تغلب وأما المجوس فإنهم وإن أخذت منهم الجزية تبعا وإلحاقا لأهل الكتاب فإنهم لا تؤكل ذبائحهم ولا تنكح نسائهم خلافا لأبي ثور إبراهيم بن خالد الكلبي أحد الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد بن حنبل ولما قال ذلك واشتهر عنه أنكر عليه الفقهاء ذلك حتى قال عنه الإمام أحمد أبو ثور كاسمه يعني في هذه المسألة وكأنه تمسك بعموم حديث روي مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال سنوا بهم سنة أهل الكتاب ولكن لم يثبت بهذا اللفظ وإنما الذي في صحيح البخاري « 3157 » عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ولو لم صحة هذا الحديث فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الآية « وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم » فدل بمفهومه مفهوم المخالفة على أن طعام من عداهم من أهل الأديان لا يحل وقوله تعالى « وطعامكم حل لهم » أي ويحل لكم أن تطعموهم من ذبائحهم وليس هذا إخبارا عن الحكم عندهم اللهم إلا أن يكون خبرا عما أمروا به من الأكل من كل طعام ذكر اسم الله عليه سواء كان من أهل ملتهم أو غيرها والأول أظهر في المعنى أي ولكم أن تطعموهم من ذبائحكم كما أكلتم من ذبائحهم وهذا من باب المكافأة والمقابلة والمجازاة كما ألبس النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه لعبد الله بن أبي ابن سلوان حين مات ودفنه فيه وقالوا لأنه كان قد كسا العباس حين قدم المدينة ثوبه فجازاه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأما الحديث الذي فيه لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي فمحمول على الندب والاستحباب والله أعلم وقوله « والمحصنات من المؤمنات » أي وأحل لكم نكاح الحرائر والعفائفمن النساء المؤمنات وذكر هذا توطئة لما بعده وهو قوله تعالى « والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم » فقيل أراد بالمحصنات الحرائر دون الإماء حكاه ابن جرير عن مجاهد وإنما قال مجاهد المحصنات الحرائر فيحتمل أن يكون أراد ماحكاه عنه ويحتمل أن يكون أراد بالحرة العفيفة كما قال في الرواية الأخرى عنه وهو قول الجمهور ها هنا وهو الأشبه لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة فيفسد حالها بالكلية ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل حشفا وسوء كيلة والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا كما قال تعالى في الآية الأخرى « محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان » ثم اختلف المفسرون والعلماء في قوله تعالى « والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم » هل يعم كل كتابية عفيفة سواء كانت حرة أو أمة حكاه ابن جرير عن طائفة من السلف ممن فسر المحصنة بالعفيفة وميل المراد بأهل الكتاب ها هنا الإسرائيليات وهو مذهب الشافعي وقيل المراد بذلك الذميات دون الحربيات لقوله « قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر » الآية وقد كان عبد الله بن عمر لا يرى التزويج بالنصرانية ويقول لا أعلم شركا أعظم من أن تقول إن ربها عيسى وقد قال الله تعالى « ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن » الآية وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن حاتم بن سليمان المؤدب حدثنا القاسم بن مالك يعني المزني حدثنا إسماعيل بن سميع عن أبي مالك الغفاري قال نزلت هذه الآية « ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن » قال فحجر الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها « والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم » فنكح الناس نساء أهل الكتاب وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى ولم يروا بذلك بأسا أخذا بهذه الآية الكريمة « والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم » فجعلوا هذه مخصصة للتي في سورة البقرة « ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن » إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها وإلا فلامعارضة بينها وبينها لأن اهل الكتاب قد انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في غير موضع كقوله تعالى « لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة » وكقوله « وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد إهتدوا » الآية وقوله « إذا آتيتموهن أجورهن » أي مهورهن أي كما هن محصنات عفائف فابذلوا لهن المهور عن طيب نفس وقد أفتى جابر بن عبد الله وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري بأن الرجل إذا نكح امرأة فزنت قبل دخوله بها أنه يفرق بينهما وترد عليه مابذل لها من المهر رواه ابن جرير عنهم وقوله « محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخذان » فكما شرط الإحصان في النساء وهي العفة عن الزنا كذلك شرطها في الرجال وهو أن يكون الرجل محصنا عفيفا ولهذا قال غير مسافحين وهم الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم ولا متخذي أخذان أي ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن كما تقدم في سورة النساء سواء ولهذا ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أنه لا يصح نكاح المرأة البغي حتى تتوب ومادامت كذلك لا يصح تزويجها من رجل عفيف وكذلك لا يصح عنده عقد الرجل الفاجر على عفيفة حتى يتوب ويقلع عما هو فيه من الزنا لهذه الآية وللحديث لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله وقال ابن جرير حدثنا بشار حدثنا سليمان بن حرب حدثنا أبو هلال عن قتادة عن الحسن قال قال عمر بن الخطاب لقد هممت أن لا أدع أحدا أصاب فاحشة في الإسلام أن يتزوج محصنة فقال له أبي بن كعب يا أمير المؤمنين الشرك أعظم من ذلك وقد يقبل منه إذا تاب وسيأتي الكلام على هذه المسألة مستقصى عند قوله « الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين » ولهذا قال تعالى ها هنا « ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين »
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:08 am | |
| 6-يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
قال كثيرون من السلف في قوله « إذا قمتم إلى الصلاة » يعني وأنتم محدثون وقال آخرون إذا قمتم من النوم إلى الصلاة وكلاهما قريب وقال آخرون بل المعنى أعم من ذلك فالآية آمرة بالوضوء عند القيام إلى الصلاة ولكن هو في حق المحدث واجب وفي حق المتطهر ندب وقد قيل إن الأمر بالوضوء لكل صلاة كان واجبا في ابتداء الإسلام ثم نسخ-الوضوء-وقال الإمام أحمد بن حنبل « 5/358 » حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن علقمة بن مرثد عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة فلما كان يوم الفتح توضأ ومسح على خفيه وصلى الصلوات بوضوء واحد فقال له عمر يا رسول الله إنك فعلت شيئا لم تكن تفعله قال إني عمدا فعلته يا عمر وهكذا رواه مسلم « 277 » وأهل السنن « د 172 ت 61 س 1/86 » من حديث سفيان الثوري عن علقمة بن مرثد ووقع في سنن ابن ماجة « 510 » عن سفيان بن محارب بن دثار بدل علقمة ابن مرثد كلاهما عن سليمان بن بريدة به وقال الترمذي حسن صحيح وقال ابن جرير حدثنا محمد بن عباد بن موسى أخبرنا زياد بن عبد الله بن الطفيل البكائي حدثنا الفضل بن المبشر قال رأيت جابر بن عبد الله يصلي الصلوات بوضوء واحد فإذا بال أو أحدث توضأ ومسح بفضل طهوره الخفين فقلت أبا عبد الله أشئ تصنعه برأيك قال بل رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصنعه فأنا أصنعه كما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه وكذا رواه ابن ماجة « 511 » عن إسماعيل بن توبة عن زياد البكائي به وقال أحمد حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن ابن إسحاقحدثني محمد بن يحيى بن حبان الأنصاري عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر قال أرأيت وضوء عبد الله بن عمر لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر عمن هو قال حدثته أسماء بنت زيد بن الخطاب أن عبد الله بن حنظلة بن الغسيل حدثنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر فلما شق ذلك عليه أمر بالسواك عند كل صلاة ووضع عنه الوضوء إلا من حدث فكان عبد الله يرى أن به قوة على ذلك كان يفعله حتى مات وكذا رواه أبو داود « 48 » عن محمد بن عوف الحمصي عن أحمد بن خالد الوهبي عن محمد بن إسحاق عن محمد بن يحيى بن حبان عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر يعني كما تقدم في رواية الإمام أحمد ثم قال أبو داود ورواه إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق فقال عبيد الله بن عمر يعني كل تقدم في رواية الإمام أحمد وأيا ما كان فهو إسناد صحيح وقد صرح ابن إسحاق فيه بالتحديث والسماع من محمد بن يحيى بن حبان فزال محذور التدليس لكن قال الحافظ ابن عساكر رواه سلمة بن الفضل وعلي بن مجاهد عن ابن إسحاق عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة عن محمد بن يحيى بن حبان به والله أعلم وفي فعل ابن عمر هذا ومداومته على إسباغ الوضوء لكل صلاة دلالة على استحباب ذلك كما هو مذهب الجمهور وقال ابن جرير حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة حدثنا أزهر عن ابن عون عن ابن سيرين أن الخلفاء كانوا يتوضؤن لكل صلاة وقال ابن جرير حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت مسعود بن علي الشيباني سمعت عكرمة يقول كان علي رضي الله عنه يتوضأ عند كل صلاة ويقرأ هذه الآية « يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة » الآية وحدثنا ابن المثنى حدثني وهب ابن جرير أخبرنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال رأيت عليا صلى الظهر ثم قعد للناس في الرحبة ثم أتى بماء فغسل وجهه ويديه ثم مسح برأسه ورجليه وقال هذا وضوء من لم يحدث وحدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أن عليا إكتال من حب فتوضأ وضوءا فيه تجوز فقال هذا وضوء من لم يحدث وهذه طرق جيدة عن علي يقوى بعضها بعضا وقال ابن جرير أيضا حدثنا ابن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس قال توضأ عمر بن الخطاب وضوءا فيه تجوز خفيفا فقال هذا وضوء من لم يحدث وهذا إسناد صحيح وقال محمد بن سيرين كان الخلفاء يتوضؤون لكل صلاة وأما مارواه أبو داود الطيالسي عن أبي هلال عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال الوضوء من غير حدث اعتداء فهوغريب عن سعيد بن المسيب ثم هو محمول على أن من اعتقد وجوبه فهو معتد وأما مشروعيته استحبابا فقد دلت السنة على ذلك وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن عمرو بن عامر الأنصاري سمعت أنس بن مالك يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة قال قلت فأنتم كيف كنتم تصنعون قال كنا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم نحدث وقد رواه البخاري « 214 » وأهل السنن « د 171 ت 60 س 1/85 جه 509 » من غير وجه عن عمرو بن عامر به وقال ابن جرير حدثنا أبو سعيد البغدادي حدثنا إسحاق بن منصور عن هريم عن عبد الرحمن بن زياد هو الأفريقي عن غطيف عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات ورواه أيضا من حديث عيسى بن يونس عن الأفريقي عن أبي غطيف عن ابن عمر فذكره وفيه قصة وهكذا رواه أبو داود « 62 » والترمذي « 59 » وابن ماجة « 512 » من حديث الأفريقي به نحوه وقال الترمذي وهو إسناد ضعيف وقال ابن جرير وقد قال قوم إن هذه الآية نزلت إعلاما من الله أن الوضوء لا يجب إلا عند القيام إلى الصلاة دون غيرها من الأعمال وذلك لأنه عليه السلام كان إذا أحدث إمتنع من الأعمال كلها حتى يتوضأ حدثنا أبو كريب حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن جابر عن عبد الله بن أبي بكر عن عمرو بن حزم عن عبد الله بن علقمة بن الفغواء عن أبيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراق البول لا نكلمه ولايكلمنا ونسلم عليه فلا يرد علينا حتى نزلت آية الرخصة « يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة » الآية ورواه ابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم عن أبي كريب به نحوه وهو حديث غريب جدا وجابر هذا هو ابن زيد الجعفي ضعفوه وقال أبو داود « 3760 » حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فقدم إليهطعام فقالوا ألا نأتيك بوضوء فقال إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة وكذا رواه الترمذي « 1847 » عن أحمد بن منيع والنسائي « 1/85 » عن زياد بن أيوب عن إسماعيل وهو ابن عليه به وقال الترمذي هذا حديث حسن وروي مسلم « 374 » عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث عن ابن عباس قال كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الخلاء ثم إنه رجع فأتي بطعام فقيل يا رسول الله ألا تتوضأ فقال لم أصل فأتوضأ-وقوله « فاغسلوا وجوهكم » قد استدل طائفة من العلماء بقوله تعالى « إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم » على وجوب النية في الوضوء لأن تقدير الكلام « إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم » لها كما تقول العرب إذا رأيت الأمير فقم أي له وقد ثبت في الصحيحين « خ 1 م 1907 » حديث الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ويستحب قبل غسل الوجه أن يذكر اسم الله تعالى على وضوئه لما ورد في الحديث من طرق جيدة عن جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ويستحب أن يغسل كفيه قبل إدخالهما في الإناء ويتأكد ذلك عند القيام من النوم لما ثبت في الصحيحين « خ 162 م 278 » عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده وحد الوجه عند الفقهاء ما بين منابت شعر الرأس ولا اعتبار بالصلع ولا بالغمم إلى منتهى اللحيين والذقن طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا وفي النزعتين والتحذيف خلاف هل هما من الرأس أو الوجه ومن المسترسل من اللحية عن محل الفرض قولان « أحدهما » أنه يجب إفاضة الماء عليه لأنه تقع به المواجهة وروي في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا مغطيا لحيته فقال اكشفها فإن اللحية من الوجه وقال مجاهد هي من الوجه ألا تسمع إلى قول العرب في الغلام إذا نبتت لحيته طلع وجهه ويستحب للمتوضئ أن يخلل لحيته إذا كانت كثة وقال الإمام أحمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا إسرائيل عن عامر بن شقيق بن حمزة عن أبي وائل قال رأيت عثمان توضأ فذكر الحديث قال وخلل اللحية ثلاثا حين غسل وجهه ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل الذي رأيتموني فعلت رواه الترمذي « 31 » وابن ماجة « 430 » من حديث عبد الرزاق وقال الترمذي حسن صحيح وحسنه البخاري وقال أبو داود « 145 » حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع حدثنا أبو المليح حدثنا الوليد بن زوران عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه يخلل به لحيته وقال هكذا أمرني به ربي عز وجل تفرد به أبو داود وقد روي هذا الوجه من غير وجه عن أنس قال البيهقي وروينا في تخليل اللحية عن عمار وعائشة وأم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم علي وغيره وروينا في الرخصة في تركه عن ابن عمر والحسن بن علي ثم النخعي وجماعة من التابعين وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير وجه في الصحاح وغيرهما أنه كان إذا توضأ تمضمض واستنشق فاختلف الأئمة في ذلك هل هما واجبان في الوضوء والغسل كما هو مذهب أحمد بن حنبل رحمه الله أو مستحبان فيهما كما هو مذهب الشافعي ومالك لما ثبت في الحديث الذي رواه أهل السنن « د 858 س 2/225 جه 460 » وصححه ابن خزيمة « 597 » عن رفاعة بن رافع الزرقي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمسئ صلاته توضأ كما أمرك الله أو يجبان في الغسل دون الوضوء كما هو مذهب أبي حنيفة أو يجب الاستنشاق دون المضمضة كما هو رواية عن الإمام أحمد لما ثبت في الصحيحين « خ 161و 162 م 237 » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من توضأ فليستنشق وفي رواية إذا توضأ أحدكم فليجعل في منخريه من الماء ثم لينتثر والانتثار هو المبالغة في الإستنشاق وقال الإمام أحمد « 1/268 » حدثنا أبو سلمة الخزاعي حدثنا سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن ابن عباس أنه توضأ فغسل وجهه أخذ غرفة من ماء فتمضمض بها واستنثر ثم أخذ غرفة فجعل بها هكذا يعني أضافها إلى يده الأخرى فغسل بها وجهه ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليمنى ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها يده اليسرى ثم مسح رأسه ثم أخذ غرفة من ماء ثم رش على رجله اليمنى حتى غسلها ثم أخذ غرفة من ماء فغسل بها رجله اليسرى ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني يتوضأ ورواه البخاري « 140 » عن محمد بن عبد الرحيم عن أبي سلمة منصور بنسلمة الخزاعي به قوله « وأيديكم إلى المرافق » أي مع المرافق كما قال تعالى « ولاتأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنه كان حوبا كبيرا » وقد روى الحافظ الدارقطني « 1/83 » وأبو بكر البيهقي « 1/56 » من طريق القاسم بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جده عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ أدار الماء على مرفقيه ولكن القاسم هذا متروك الحديث وجده ضعيف والله أعلم ويستحب للمتوضئ أن يبدأ بالعضد فيغسله مع ذراعيه لما روى البخاري « 136 » ومسلم « 246 » من حديث نعيم المجمر عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل وفي صحيح مسلم « 250 » عن قتادة عن خلف بن خليفة عن أبي مالك الأشجعي عن أبي حازم عن أبي هريرة قال سمعت خليلي صلى الله عليه وسلم يقول تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء وقوله تعالى « وامسحوا برؤسكم » اختلفوا في هذه الباء هل هي للإلصاق وهو الأظهر أو للتبعيض وفيه نظر على قولين ومن الأصوليين من قال هذا مجمل فليرجع في بيانه إلى السنة وقد ثبت في الصحيحين « خ 185 م 230 » من طريق مالك « 1/18 » عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أن رجلا قال لعبد الله بن زيد بن عاصم وهو جد عمرو بن يحيى وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فقال عبد الله بن زيد نعم فدعا بوضوء فأفرغ على يديه فغسل يديه مرتين مرتين ثم مضمض واستنشق ثلاثا وغسل وجهه ثلاثا ثم غسل يديه مرتين إلى المرفقين ثم مسح رأسه بيده فأقبل بهما وأدبر بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه ثم غسل رجليه وفي حديث عبد خير عن علي في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو هذا « د111 » وروي أبو داود عن معاوية والمقداد بن معد يكرب في صفة وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم مثله ففي هذه الأحاديث دلالة لمن ذهب إلى وجوب تكميل مسح جميع الرأس كما هو مذهب الإمام مالك وأحمد بن حنبل لاسيما على قول من زعم أنها خرجت مخرج البيان لما أجمل في القرآن وقد ذهب الحنفية إلى وجوب مسح ربع الرأس وهو مقدار الناصية وذهب أصحابنا إلى أنه إنما يجب ما يطلق عليه مسح ولايتقدر ذلك بحد لو مسح بعض شعرة من رأسه أجزأه واحتج الفريقان بحديث المغيرة بن شعبة قال تخلف النبي صلى الله عليه وسلم فتخلفت معه فلما قضىحاجته قال هل معك ماء فاتيته بمطهرة فغسل كفيه ووجهه ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة فأخرج يديه من تحت الجبة وألقى الجبة على منكبيه فغسل ذراعيه ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه وذكر باقي الحديث وهو في صحيح مسلم « 274 » وغيره فقال لهم أصحاب الإمام أحمد إنما اقتصر على مسح الناصية لأنه كمل مسح بقية الرأس على العمامة ونحن نقول بذلك أنه يقع عن الموقع كما وردت بذلك أحاديث كثيرة وأنه كان يمسح على العمامة وعلى الخفين فهذا أولى وليس لكم فيه دلالة على جواز الاقتصار على مسح الناصية أو بعض الرأس من غير تكميل على العمامة والله أعلم ثم اختلفوا في أنه هل يستحب تكرار مسح الرأس ثلاثا كما هو مذهب أحمد بن حنبل ومنه تابعه على قولين فقال عبد الرزاق « 139 » عن معمر عن الزهري عن عطاء بن يزيد الليثي عن حمران بن أبان قال رأيت عثمان بن عفان توضأ فأفرغ على يديه ثلاثا فغسلهما ثم تمضمض واستنشق ثم غسل وجهه ثلاثا ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا ثم غسل اليسرى مثل ذلك ثم مسح برأسه ثم غسل قدمه اليمنى ثلاثا ثم اليسرى ثلاثا مثل ذلك ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ نحو وضوئي هذا ثم قال من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه أخرجه البخاري « 159 » ومسلم « 226 » في الصحيحين من طريق الزهري به نحوه هذا وفي سنن أبي داود « 108 » من رواية عبد الله بن عبيد الله بن أبي ملكية عن عثمان في صفة الوضوء ومسح برأسه مرة واحدة وكذا من رواية عبد خير عن علي مثله واحتج من استحب تكرار مسح الرأس بعموم الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه « 230 » عن عثمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا وقال أبو داود « 107 » حدثنا محمد بن المثنى حدثنا الضحاك بن مخلد حدثنا عبد الرحمن بن وردان حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن حدثني حمران قال رأيت عثمان بن عفان توضأ فذكر نحوه ولم يذكر المضمضة والإستنشاق قال فيه ثم مسح رأسه ثلاثا ثم غسل رجليه ثلاثا ثم قال رأيت رسول الله صلى الله صلى عليه وسلم توضأ هكذا وقال من توضأ هكذا كفاه تفرد به أبو داودثم قال وأحاديث عثمان في الصحاح تدل على أنه مسح الرأس مرة واحدة قوله « وأرجلكم إلى الكعبين » قرئ وأرجلكم بالنصب عطفا على فاغسلوا وجوهكم وأيديكم قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو زرعة حدثنا أبو سلمة حدثنا وهيب عن خالد عن عكرمة عن ابن عباس أنه قرأها وأرجلكم يقول رجعت إلى الغسل وروي عن عبد الله بن مسعود وعروة وعطاء وعكرمة والحسن ومجاهد وإبراهيم والضحاك والسدي ومقاتل بن حيان والزهري وإبراهيم التيمي نحو ذلك وهذه قراءة ظاهرة في وجوب الغسل كما قاله السلف ومن ها هنا ذهب من ذهب إلى وجوب الترتيب في الوضوء كما هو مذهب الجمهور خلافا خلافا لأبي حنيفة حيث لم يشترط الترتيب بل لو غسل قدميه ثم مسح رأسه وغسل يديه ثم وجهه أجزأه ذلك لأن الآية أمرت بغسل هذه الأعضاء والواو لا تدل على الترتيب وقد سلك الجمهور في الجواب عن هذا البحث طرقا فمنهم من قال الآية دلت على وجوب غسل الوجه إبتداء عند القيام إلى الصلاة لأنه مأمور به بفاء التعقيب وهي مقتضية للترتيب ولم يقل أحد من الناس بوجوب غسل الوجه أولا ثم لا يجب الترتيب بعده بل القائل اثنان أحدهما يوجب الترتيب كما هو واقع في الآية والآخر يقول لا يجب الترتيب مطلقا والآية دلت على وجوب غسل الوجه إبتداء فوجب الترتيب فيما بعده لإجماع لافارق ومنهم من قال لا نسلم أن الواو لا تدل على الترتيب بل هي دالة كما هو مذهب طائفة من النحاة وأهل اللغة وبعض الفقهاء ثم يقول بتقدير تسليم كونها لا تدل على الترتيب اللفوي هي دالة على الترتيب شرعا فيما من شأنه أن يرتب والدليل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما طاف بالبيت خرج من باب الصفا وهو يتلو قوله تعالى « إن الصفا والمروة من شعائر الله » ثم قال أبدأ بما بدأ الله به لفظ مسلم « 1218 » ولفظ النسائي ابدؤا بما بدأ الله به وهذا لفظ أمر وإسناده صحيح فدل على وجوب البداءة بما بدأ الله له وهو معنى كونها تدل على الترتيب شرعا والله أعلم ومنهم من قال لما ذكر الله تعالى هذه الصفة في هذه على هذا الترتيب فقطع النظير على النظير وأدخل المسموح بين المغسولين دل ذلك على إرادة الترتيب ومنهم من قال لاشك أنه قد روى أبو داود وغيره من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ثم قال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به قالوا فلا يخلوا إما أن يكون توضأ مرتبا فيجب الترتيب أو يكون توضأ غير مرتب فيجب عدم الترتيب ولا قائل به فوجب ماذكرناه وأما القراءة الأخرى وهي قراءة منقرأ « وأرجلكم » بالخفض فقد احتج بها الشيعة في قولهم بوجوب مسح الرجلين لأنها عندهم معطوفة على مسح الرأس وقد روي عن طائفة من السلف ما يوهم القول بالمسح فقال ابن جرير حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية حدثنا حميد قال قال موسى بن أنس لأنس ونحن عنده يا أبا حمزة إن الحجاج خطبنا بالأهواز ونحن معه فذكر الطهور فقال اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برءوسكم وأرجلكم وأنه ليس شيء من بني آدم أقرب من خبثه من قدميه فاغسلوا بطونها وظهورها وعراقيبها فقال أنس وكذب الحجاج قال الله تعالى « وامسحوا برؤسكم وأرجلكم » قال وكان أنس إذا مسح قدميه بلهما إسناد صحيح إليه وقال ابن جرير حدثنا علي بن سهل حدثنا مؤمل حدثنا حماد حدثنا عاصم الأحول عن أنس قال نزل القرآن بالمسح والسنة بالغسل وهذا أيضا إسناد صحيح
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:10 am | |
| وقال ابن جرير حدثنا إبوكريب حدثنا محمد بن قيس الخراساني عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال الوضوء غسلتان ومسحتان وكذا روى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو معمر المنقري حدثنا عبد الوهاب حدثنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس « وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين » قال هو المسح ثم قال وروي عن ابن عمر وعلقمة وأبي جعفر محمد بن علي الحسن في إحدى الروايات وجابر بن زيد ومجاهد في إحدى الروايات ونحوه وقال ابن جرير حدثنا يعقوب حدثنا ابن علية حدثنا أيوب قال رأيت عكرمة يمسح على رجليه قال وكان يقوله وقال ابن جرير حدثني أبو السائب حدثنا ابن إدريس عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال نزل جبريل بالمسح ثم قال الشعبي ألا ترى أن التيمم أن يمسح ما كان غسلا ويلغي ما كان مسحا وحدثنا ابن أبي زياد حدثنا يزيد أخبرنا إسماعيل قلت لعامر إن ناسا يقولون إن جبريل نزل بغسل الرجلين فقال نزل جبريل بالمسح فهذه آثار غريبة جدا وهي محمولة على أن المراد بالمسح هو الغسل الخفيف لما سنذكرهمن السنة الثابتة في وجوب غسل الرجلين وإنما جاءت هذه القراءة بالخفض إما على المجاورة وتناسب الكلام كما في قول العرب جحر ضب خرب وكقوله تعالى « عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق » وهذا سائغ ذائع في لغة العرب شائع ومنهم من قال هي محمولة على مسح القدمين إذا كان عليهما الخفان قاله أبو عبد الله الشافعي رحمه الله ومنهم من قال هي دالة على مسح الرجلين ولكن المراد بذلك الغسل الخفيف كما وردت به السنة وعلى كل تقدير فالواجب غسل الرجلين فرضا لابد منه للآية والأحاديث التي سنوردها ومن أحسن ما يسدل به على أن المسح يطلق على الغسل الخفيف مارواه الحافظ البيهقي « 1/75 » حيث قال أخبرنا أبو علي الروذباري حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محموية العسكري حدثنا جعفر بن محمد القلأنسي حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا عبد الملك بن ميسرة سمعت النزال بن سبرة يحدث عن علي بن أبي طالب أنه صلى الظهر ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حتى حضرت صلاة العصر ثم أتى بكوز من ماء فأخذ منه حفنة واحدة فمسح بها وجهه ويديه ورأسه ورجليه ثم قام فشرب فضلته وهو قائم ثم قال إن ناسا يكرهون الشرب قائما وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت وقال هذا وضوء من يحدث رواه البخاري في الصحيح « 5616 » عن آدم ببعض معناه ومن أوجب من الشيعة مسحهما كما يمسح الخف فقد ضل وأضل وكذا من جوز مسحها وجوز غسلها فقد أخطأ أيضا ومن نقل عن أبي جعفر بن جرير أنه أوجب غسلهما للأحاديث وأوجب مسحها للآية فلم يحقق مذهبه في ذلك فإن كلامه في تفسيره إنما يدل على أنه أراد أنه يجب دلك الرجلين من دون سائر أعضاء الوضوء لأنهما يليان الأرض والطين وغير ذلك فأوجب دلكهما ليذهب ماعليهما ولكنه عبر عن الدلك بالمسح فاعتقد من لم يتأمل كلامه أنه أراد وجوب الجمع بين غسل الرجلين ومسحهما فحكاه من حكاه كذلك ولهذا يستشكله كثير من الفقهاء وهو معذور فإنه لامعنى للجمع بين المسح والغسل سواء تقدمه أو تأخر عليه لا ندراجه فيه وإنما أراد الرجل ماذكرته والله أعلم ثم تأملت كلامه أيضا فإذا هو يحاول الجمع بين القراءتين في قوله « وأرجلكم » خفضا على المسح وهو الدلك ونصبا على الغسل فأوجبهما أخذ بالجمع بين هذه وهذه-الأحاديث الواردة في غسل الرجلين- « ذكر الأحاديث الواردة في غسل الرجلين وأنه لابد منه » قد تقدم في حديث أمير المؤمنين عثمان وعلي وابن عباس ومعاوية وعبد الله بن زيد بن عاصم والمقداد بن معد يكرب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غسلالرجلين في وضوئه إما مرة وإما مرتين أو ثلاثة على اختلاف رواياتهم وفي حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فغسل قدميه ثم قال هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به وفي الصحيحين « خ 163 م 241 » من رواية أبي عوانة عن أبي بشر عن يوسف بن ماهك عن عبد الله بن عمرو قال تخلف عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرة سافرناها فأدركنا وقد أرهقتنا الصلاة صلاة العصر ونحن نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار وكذلك هو في الصحيحين « خ 165 م 242 » عن أبي هريرة وفي صحيح مسلم « 240 » عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال أسبغوا الوضوء ويل للأعقاب من النار وروى الليث بن سعيد عن حيوة بن شريح عن عقبة بن مسلم عن عبد الله بن الحارث بن جزء أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار رواه البيهقي « 1/70 » والحاكم « 1/162 » وهذا إسناد صحيح وقال الإمام أحمد « 3/369 » حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن أبي إسحاق أنه سمع سعيد بن أبي كرب أو شعيب بن أبي كرب قال سمعت جابر بن عبد الله وهو على جبل يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ويل للعراقيب من النار حدثنا أسود بن عامر أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن سعيد بن أبي كرب عن جابر بن عبد الله قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم في رجل رجل مثل الدرهم لم يغسله فقال ويل للعقب من النار ورواه ابن ماجة « 454 » عن أبي بكر بن أبي شيبة عن الأحوص عن أبي إسحاق عن سعيد به نحوه وكذا رواه ابن جرير من حديث سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج وغير واحد عن أبي إسحاق السبيعي عن سعيد بن أبي كرب عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله ثم قال حدثنا علي بن مسلم حدثنا عبد الصمدبن عبد الوارث حدثنا حفص عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوما يتوضؤون لم يصب أعقابهم الماء فقال ويل للعراقيب من النار وقال الإمام أحمد « 3/426 » حدثنا خلف بن الوليد حدثنا أيوب بن عتبة عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن معيقيب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل للأعقاب من النار تفرد به أحمد وقال ابن جرير حدثني علي بن عبد الأعلى حدثنا المحاربي عن مطرح بن يزيد بن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويل للأعقاب من النار قال فما بقي في المسجد شريف ولاوضيع إلا نظرت إليه يقلب عرقوبيه ينظر إليهما وحدثنا أبو كريب حدثنا حسين عن زائدة عن ليث حدثني عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامة أو عن أخي أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أبصر قوما يتوضؤون وفي عقب أحدهم أو كعب أحدهم مثل موضع الدرهم أو موضع الظفر لم يمسه الماء فقال ويل للأعقاب من النار قال فجعل الرجل إذا رأى في عقبه شيئا لم يصبه الماء أعاد وضوءه ووجه الدلالة من هذه الأحاديث ظاهرة وذلك أنه لو كان فرض الرجلين مسحهما أو أنه يجوز ذلك فيهما لما توعد على تركه لأن المسح لا يستوعب جميع الرجل بل يجري فيه ما يجري في مسح الخف وهكذا وجه هذه الدلالة على الشيعة الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله تعالى وقد روى مسلم في صحيحه « 243 » من طريق أبي الزبير عن جابر عن عمر بن الخطاب أن رجلا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم وقال ارجع فأحسن وضوءك وقال الحافظ أبو بكر البيهقي « 1/70 » أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني حدثنا هارون بن معروف حدثنا ابن وهب حدثنا جرير بن حازم أنه سمع قتادة بن دعامة قال حدثنا أنس بن مالك أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قد توضأ وترك على قدمه مثل وضع الظفر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجع فأحسن وضوءك وهكذا رواه أبو داود « 173 » عن هارون بن معروف وابن ماجة « 665 » عن حرملة بن يحيى كلاهما عن ابن وهب به هذا إسناد جيد رجاله كلهم ثقات لكن قال أبو داود ليس هذا الحديث بمعروف لم يره إلا ابن وهب وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد أخبرنا يونس وحميد عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمعنى حديث قتادة وقال الإمام أحمد « 3/424 » حدثنا إبراهيم بن أبي العباس حدثنا بقية حدثني بحير بن سعدعن خالد بن معدان عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يصلي وفي ظهر قدمه لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيد الوضوء ورواه أبو داود « 175 » من حديث بقية وزاد والصلاة وهذا إسناد جيد قوي صحيح والله أعلم وفي حديث حمران عن عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم أنه خلل بين أصابعه وروى أهل السنن « د 142 ت 38 س 1/66 جه 407 » من حديث إسماعيل بن كثير عن عاصم بن لقيط بن صبرة عن أبيه قال قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء فقال أسبغ الوضوء وخلل بين الأصابع وبالغ في الإستنشاق إلا أن تكون صائما وقال الإمام أحمد « 4/112 » حدثنا عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن المقرئ حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا شداد بن عبد الله الدمشقي قال قال أبو أمامة حدثنا عمرو بن عبسة قال قلت يا رسول الله أخبرني عن الوضوء قال مامنكم من أحد يقرب وضوءه ثم يتمضمض ويستنشق وينتثر إلا خرت خطاياه من فمه وخياشيمه مع الماء حين ينتثر ثم يغسل وجهه كما أمره الله إلا خرت خطايا وجهه من أطراف لحيته مع الماء ثم يغسل يديه إلى المرفقين إلا خرت خطايا يديه من أطراف أنامله ثم يمسح رأسه إلا خرت خطايا رأسه من أطراف شعره مع الماء ثم يغسل قدميه إلى الكعبين كما أمره الله إلا خرت خطايا قدميه من أطراف أصابعه مع الماء ثم يقوم فيحمد الله ويثني عليه بالذي هو له أهل ثم يركع ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه قال أبو أمامة ياعمرو انظر ما تقول سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أيعطي هذا الرجل كله في مقامه فقال عمرو بن عبسة يا أبا أمامة لقد كبرت سني ورق عظمي واقترب أجلي ومابي حاجة أن أكذب على الله وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلامرةأو مرتين أو ثلاثا لقد سمعته سبع مرات أو أكثر من ذلك وهذا إسناد صحيح وهو في صحيح مسلم « 832 » من وجه آخر وفيه ثم يغسل قدميه كما أمره الله فدل على أن القرآن يأمر بالغسل وهكذا روى أبو إسحاق السبيعي عن الحارث عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال اغسلوا القدمين إلى الكعبين كما أمرتم ومن ها هنا يتضح لك المراد من حديث عبد خير عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رش على قدميه الماء وهما في النعلين فدلكهما إنما أراد غسلا خفيفا وهما في النعلين ولا مانع من إيجاد الغسل والرجل في نعلها ولكن في هذا رد على المتعمقين والمتنطعين من الموسوسين وهكذا الحديث الذي أورده ابن جرير على نفسه وهو من روايته عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سباطة قوم فبال قائما ثم دعا بما فتوضأ ومسح على نعليه وهو حديث صحيح وقد أجاب ابن جرير عنه بأن الثقات الحفاظ رووه عن الأعمش عن أبي وائل عن حذيفة قال فبال قائما ثم توضأ ومسح على خفيه قلت ويحتمل الجمع بينهما بأن يكون في رجليه خفان وعليهما نعلان وهكذا الحديث الذي رواه الإمام أحمد بن حنبل « 4/8 » حدثنا يحيى عن شعبة حدثني يعلى عن أبيه عن أوس بن أبي أوس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على نعليه ثم قام إلى الصلاة وقد رواه أبو داود « 160 » عن مسدد وعباس بن موسى كلاهما عن هشيم عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن أوس بن أبي أوس قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال وتوضأ ومسح على نعليه وقدميه وقد رواه ابن جرير من طريق شعبة ومن طريق هشيم ثم قال وهذا محمول على أنه توضأ كذلك وهو غير محدث إذ كان غير جائز أن تكون فرائض الله وسنن رسوله متنافيه متعارضة وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم بعموم غسل القدمين في الوضوء بالماء بالنقل المستفيض القاطع عذر من النتهى اليه وبلغه ولما كان القرآن آمرا بغسل الرجلين كما في قراءة النصب وكما هو الواجب في حمل قراءة الخفض عليه توهم بعض السلف أن هذه الآية ناسخة لرخصة المسح على الخفين وقد روى ذلك عن علي بن أبي طالب ولكن لم يصح إسناده ثم الثابت عنه خلافه وليس كما زعموه فإنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الخفين بعد نزول هذه الآية الكريمة وقال الإمام أحمد « خ4/363 » حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا زياد بن عبد الله بن علاثة عن عبد الكريم بن مالك الجزري عن مجاهد عن جرير ابن عبد الله البجلي قال أنا أسلمت بعد نزول المائدة وأنا رأيترسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح بعدما أسلمت تفرد به أحمد وفي الصحيحين « خ 387 م 272 » من حديث الأعمش عن إبراهيم عن همام قال بال جرير ثم توضأ ومسح على خفيه فقيل تفعل هذا فقال عم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بال ثم توضأ ومسح على خفيه قال الأعمش قال إبراهيم فكان يعجبهم هذا الحديث لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة لفظ مسلم وقد ثبت بالتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مشروعية المسح على الخفين قولا منه وفعلا كما هو مقرر في كتاب الأحكام الكبير مع ما يحتاج إلى ذكره هناك من تأقيت المسح أو عدمه أو التفصيل فيه كما هو مبسوط في موضعه وقد خالفت الروافض في ذلك بلا مستند بجهل وضلال مع أنه ثابت في صحيح مسلم « 276 » من رواية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما ثبت في الصحيحين « خ 4216 م 1407 » عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن نكاح المتعة وهم يستبيحونها وكذلك هذه الآية الكريمة دالة على وجوب غسل الرجلين مع ماثبت بالتواتر من فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم على وفق مادلت عليه الآية الكريمة وهم مخالفون لذلك كله وليس لهم دليل صحيح في نفس الأمر ولله الحمد وهكذا خالفوا الأئمة والسلف في الكعبين اللذين في القدمين فعندهم إنما في ظهر القدم فعندهم في كل رجل كعب وعند الجمهور أن الكعبين هما العظمان الناتئان عن مفصل الساق والقدم قال الربيع قال الشافعي لم أعلم مخالفا في أن الكعبين اللذين ذكرهما الله في كتابه في الوضوء هما الناتئان وهما مجمع مفصل الساق والقدم هذا لفظه فعند الأئمة رحمهم الله في كل قدم كعبان كما هو المعروف عند الناس وكما دلت عليه السنة ففي الصحيحين « خ 159 م 226 » من طريق حمران عن عثمان أنه توضأ فغسل رجله اليمنى إلى الكعبين واليسرى مثل ذلك وروى البخاري تعليقا مجزوما به « قبل 725 » وأبو داود « 662 » وابن خزيمة في صحيحه « 160 » من رواية أبي القاسم الحسيني بن الحارث الجدلي عن النعمان بن بشير قال أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال أقيموا صفوفكم ثلاثا والله لتقيمن صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم قال فرأيت الرجل يلزق كعبه بكعب صاحبه وركبته بركبة صاحبه ومنكبه بمنكبهلفظ ابن خزيمة فليس يمكن أن يلزق كعبه بكعب صاحبه إلا والمراد به العظم الناتئ في الساق حتى يحاذي كعب الآخر فدل ذلك على ماذكرناه من أنهما العظمان الناتئان عن مفصل الساق والقدم كما هو مذهب أهل السنة وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا إسماعيل بن موسى أخبرنا شريك عن يحيى بن عبد الله بن الحارث التيمي يعني الجابر قال نظرت في قتلى أصحاب زيد فوجدت الكعب فوق ظهر القدم وهذه عقوبة عوقب بها الشيعة بعد قتلهم تنكيلا بهم في مخالفتهم الحق وإصرارهم عليه-وقوله تعالى « وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه » كل ذلك قد تقدم الكلام عليه في تفسير آية النساء فلا حاجة بنا إلى إعادته لئلا يطول الكلام وقد ذكرنا سبب نزول آية التيمم هناك لكن البخاري روى ها هنا حديثا خاصا بهذه الآية الكريمة فقال « 4608 » حدثنا يحيى بن سليمان حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث أن عبد الرحمن بن القاسم حدثه عن أبيه عن عائشة قالت سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فثنى رأسه في حجري راقدا فأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة وقال حسبت الناس في قلادة فتمنيت الموت لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مني وقد أوجعني ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد فنزلت « يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم » إلى آخر الآية فقال أسيد بن الحضير لقد بارك الله للناس فيكم ياآل أبي بكر ما أنتم إلا بركة لهم وقوله تعالى « مايريد الله ليجعل عليكم من حرج » أي فلهذا سهل عليكم ويسر ولم يعسر بل أباح التيمم عند المرض وعند فقدان الماء توسعة عليكم رحمة بكم وجعله في حق من شرع له يقوم مقام الماء إلا من بعض الوجوه كما تقدم بيانه وكما هو مقرر في كتاب الأحكام الكبير وقوله تعالى « ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون » أي لعلكم تشكرون نعمه عليكم فيما شرعه لكم من التوسعة والرأفة والرحمة والتسهيل والسماحة وقد وردت السنة بالبحث عن الدعاء عقب الوضوء بأن يجعل فاعله من المتطهرين الداخلين في امتثال هذه الآية الكريمة كما رواه الإمام أحمد « 4/145 » ومسلم « 234 » وأهل السنن « د 169 س 1/95 » عن عقبة بن عامر قال كانت علينا رعاية الإبل فجاءت نوبتي فروحتها بعشي فأدركت رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما يحدث الناس فأدركت من قوله مامن مسلم يتوضأ فيحسن وضوءه ثم يقول فيصلي ركعتين مقبلا عليهما بقلبه ووجهه إلا وجبت له الجنة قال قلت ما أجود هذه فإذا قائل بين يدي يقول التي قبلها أجود فنظرت فإذا عمر رضي الله عنه فقال إني قد رأيتك جئت آنفا قال مامنكم من أحد يتوضأ فيبلغ أو فيسبغ الوضوء يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء لفظ مسلم وقال مالك « 1/32 » عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء أو مع آخر قطر الماء فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيا من الذنوب رواه مسلم « 244 » عن أبي الطاهر عن أبي وهب عن مالك به وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن منصور عن سالم بن أبي الجعد عن كعب بن مرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم مامن رجل يتوضأ فيغسل يديه أو ذراعيه إلا خرجت خطاياه منهما فإذا غسل وجهه خرجت خطاياه من وجهه فإذا مسح رأسه خرجت خطاياه من رأسه فاذا رجليه خرجت خطاياه من رجليه هذا لفظه وقد رواه الإمام أحمد « 4/234 » عن محمد بن جعفر عن شعبة عن منصور عن سالم عن مرة بن كعب أو كعب بن مرة السلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إذا توضأ العبد فغسل يديه خرجت خطاياه من بين يديه وإذا غسل وجهه خرجت خطاياه من وجهه وإذا غسل ذراعيه خرت خطاياه من ذراعيه وإذا غسل رجليه خرت خطاياه من رجليه قال شعبة ولم يذكر مسح الرأس وهذا إسناد صحيح وروى ابن جرير من طريق شمر بن عطية عن شهر بن حوشب عن أبي أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من توضأ فأحسن الوضوء ثم قام إلى الصلاة خرجت ذنوبه من سمعه وبصره ويديه ورجليه وروى مسلم في صحيحه « 223 » من حديثيحيى بن أبي كثير عن زيد بن سلام عن جده ممطور عن أبي مالك الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والله أكبر تملأ مابين السماء والأرض والصوم جنة والصبر ضياء والصدقة برهان والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها وفي صحيح مسلم « 224 » من رواية سماك بن حرب عن مصعب بن سعد عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقبل الله صدقة من غلول ولا صلاة بغير طهور وقال أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن قتادة سمعت أبا المليح الهذلي عن أبيه قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعته يقول إن الله لا يقبل صلاة من غير طهور ولا صدقة من غلول وكذا رواه أحمد « 5/74 » وأبو داود « 59 » والنسائي « 5/56 » وابن ماجة « 271 » من حديث شعبة
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير | |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:13 am | |
| 7-وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
. انظر تفسير الآية 11
8-يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
. انظر تفسير الآية 11
9-وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ
. انظر تفسير الآية 11
10-وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَـئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ
. انظر تفسير الآية 11
11-يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
يقول تعالى مذكرا عباده المؤمنين نعمته عليهم في شرعه لهم هذا الدين العظيم وإرساله إليهم هذا الرسول الكريم وما أخذ عليهم من العهد والميثاق في مبايعته ومناصرته ومؤازرته والقيام بدينه وإبلاغه عنه وقبوله منه فقال تعالى « واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا » وهذه هي البيعة التي كانوا يبايعون عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إسلامهم كما قالوا بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله « خ 7199 م 1709 » وقال الله تعالى « ومالكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين » وقيل هذا تذكار لليهود بما أخذ عليهم من المواثيق والعهود في متابعته محمد صلى الله عليه وسلم والإنقياد لشرعه رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقيل هو تذكار بما أخذ تعالى من العهد على ذرية آدم حين استخرجهم من صلبه وأشهدهم على أنفسهم « ألست بربكم قالوا بلى شهدنا » قاله مجاهد ومقاتل ابن حيان والقول الأول أظهر وهو المحكي عن ابن عباس والسدي واختاره ابن جرير ثم قال تعالى « واتقوا الله » تأكيد وتحريض على مواظبة التقوى في كل حال ثم أعلمهم أنه يعلم ما يتخالج في الضمائر من الأسرار والخواطر فقال « إن الله عليم بذات الصدور » وقوله تعالى « يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله » أي كونوا قوامين بالحق لله عز وجل لا لأجل الناس والسمعة وكونوا « شهداء بالقسط » أي بالعدل لا بالجور وقد ثبت في الصحيحين « خ 2587 م 1623 » عن النعمان بن بشير أنه قال نحلني أبي نحلا فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءه ليشهده على صدقتي فقال أكل ولدك نحلت مثله قال لا قال اتقوا الله واعدلوا في أولادكم وقال إني لا أشهد على جور قال فرجع أبي فرد تلك الصدقة وقوله تعالى « ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا » أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم بل استعملوا العدل في كل أحد صديقا كان أو عدوا ولهذا قال « اعدلوا هو أقرب للتقوى » أي عدلكم أقرب إلى التقوى من تركه ودل الفعل على المصدر الذي عاد الضمير عليه كما في نظائره من القرآن وغيره كما في قوله « وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم » وقوله هو أقرب للتقوى من باب استعمال أفعل التفضيلفي المحل الذي ليس في الجانب الآخر منه شيء كما في قوله تعالى « أصحاب الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيلا » وكقول بعض الصحابيات لعمر أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم « خ 3294 م 2396 » ثم قال تعالى « واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون » أي وسيجزيكم على ماعلم من أفعالكم التي عملتموهها إن خيرا فخير وإن شرا فشر ولهذا قال بعده « وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة » أي لذنوبهم « وأجر عظيم » وهو الجنة التي هي من رحمته على عباده لا ينالوها بأعمالهم بل برحمة منه وفضل وإن كان سبب وصول الرحمة إليهم أعمالهم وهو تعالى الذي جعلها أسبابا إلى نيل رحمته وفضله وعفوه ورضوانه فالكل منه وله فله الحمد والمنة ثم قال « والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم » وهذا من عدله تعالى وحكمته وحكمه الذي لا يجور فيه بل هو الحكم العدل الحكيم القدير وقوله تعالى « يا أيها الذين آمنوا اذكروا اسم الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم » قال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن الزهري ذكره عن أبي سلمة عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلا وتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها وعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذه فسله ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال من يمنعك مني قال الله عز وجل قال الأعرابي مرتين أو ثلاثا من يمنعك مني والنبي صلى الله عليه وسلم يقول الله قال فشام الأعرابي السيف فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي وهو جالس إلى جنبه ولم يعاقبه وقال معمر كان قتادة يذكر نحو هذا ويذكر أن قوما من العرب أرادوا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا هذا الأعرابي وتأول « اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم » الآية وقصة هذا الأعرابي وهو غورث بن الحارث ثابتة في الصحيح « خ 2910 م 843 » وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية « يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم » وذلك أن قوما من اليهود صنعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه طعاما ليقتلوهم فأوحى الله إليه بشأنهم فلم يأت الطعام وأمر أصحابه فأتوه رواه ابن أبي حاتم وقال أبو مالك نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه حين أرادوا أن يغدروا بمحمد وأصحابه في دار كعب بن الأشرف رواه ابن أبي حاتم وذكر محمد بنإسحاق بن يسار ومجاهد وعكرمة وغير واحد أنها نزلت في شأن بني النظير حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحى لما جاءهم يستعينهم في دية العامريين ووكلوا عمرو بن جحش بن كعب بذلك وأمروه إن جلس النبي صلى الله عليه وسلم تحت الجدار واجتمعوا عنده أن يلقي تلك الرحى من فوقه فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ما تمالؤا عليه فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه فأنزل الله في ذلك هذه الآية وقوله تعالى « وعلى الله فليتوكل المؤمنون » يعني من توكل على الله كفاه الله ما أهمه وحفظه من شر الناس وعصمه ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغدوا إليهم فحاصرهم حتى أنزلهم فأجلاهم
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:16 am | |
| 12-وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً وَقَالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاَةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَّأُكَفِّرَنَّ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاء السَّبِيلِ
. انظر تفسير الآية 14
13-فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ وَلاَ تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىَ خَآئِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمُ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ
. انظر تفسير الآية 14
14-وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ
لما أمر تعالى عباده المؤمنين بالوفاء بعهده وميثاقه الذي أخذه عليهم على لسان عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم وأمرهم بالقيام بالحق والشهادة بالعدل وذكرهم نعمه عليهم الظاهرة والباطنة فيما هداهم له من الحق والهدى شرع يبين لهم كيف أخذ العهود والمواثيق على من كان قبلهم من أهل الكتابين اليهود والنصارى فلما نقضوا عهوده ومواثيقه أعقبهم ذلك لعنا منه لهم وطردا على بابه وجنابه وحجابا لقلوبهم عن الوصول إلى الهدى ودين الحق وهو العلم النافع والعمل الصالح فقال تعالى « ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيبا » يعني عرفاء على قبائلهم بالمبايعة والسمع والطاعة لله ولرسوله ولكتابه وقد ذكر ابن عباس عن أبن إسحاق وغير واحد أن هذا كان لما توجه موسى عليه السلام لقتال الجبابرة فأمر بأن يقيم نقباء من كل سبط نقيب قال محمد بن إسحاق فكان من سبط روبيل شامون بن ركون ومن سبط شمعون شافاط بن حري ومن سبط يهوذا كالب بن يوفنا ومن سبط تين ميخائيل بن يوسف ومن سبط يوسف وهو سبط إفرايم يوشع بن نون ومن سبط بنيامين فلطم بن دفون ومن سبط زبولون جدي بن شورى ومن سبط منشا بن يوسف جدي بن موسى ومن سبط دان خملائيل بن حمل ومن سبط أشار ساطور بن ملكيل ومن سبط نفثالي نحي بن وفسي ومن سبط يسخار لا يل بن مكيد وقد رأيت في السفر الرابع من التوراة تعداد النقباء على أسباط بني إسرائيل وأسماء مخالفة لما ذكره ابن إسحاق والله أعلم قال فيها فعلي بني روبيل اليصور بن سادون وعلى بني شمعون شموال بن صورشكي وعلى بني يهوذا الحشون بن عمياذاب وعلى بني يسخار شال بن صاعون وعلى بني زبولون الياب بن حالوب وعلى بني أفرايم منشأ بن عمنهور وعلى بني منشأ حمليائيل بن يرصون وعلى بني بنيامين أبيدن بن جعدون وعلى بني دان جعيذر بن عميشذي وعلى بني أشار نحايل بن عجران وعلى بني كان السيف بن دعواييل وعلى بني نفتالي أجزع بن عمينان وهكذا لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ليلة العقبة كان فيهم اثنا عشر نقيبا ثلاثة من الأوس وهم أسيد بن الحضير وسعد بن خيثمة ورفاعة بن عبد المنذر ويقال بدله أبو الهيثم بن التيهان رضي الله عنه وتسعة من الخزرج وهم أبو أمامة أسعد بن زرارة وسعد بن الربيع وعبد الله بن رواحة ورافع بن مالك بن العجلان والبراء بن معرور وعبادة بن الصامت وسعد بن عبادة وعبد الله بن عمرو بن حرام والمنذر بن عمر بن حنيش رضي الله عنهم وقد ذكرهم كعب بن مالك في شعر له كما أورده ابن إسحاق رحمه الله والمقصود أن هؤلاء كانوا عرفاء على قومهم ليلتئذ عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بذلك وهم الذين ولوا المعاقدة والمبايعة عن قومهم للنبي صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة قال الإمام أحمد « 1/398 » حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن زيد عن مجالد عن الشعبي عن مسروق قال كنا جلوسا عند عبد الله بن مسعود وهو يقرئنا القرآن فقال له رجل يا أبا عبد الرحمن هل سألتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كم يملك هذه الأمة من خليفة فقال عبد الله ما سألني عنها أحد منذ قدمت العراق قبلك ثم قال نعم ولقد سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إثنا عشر كعدة نقباء بني إسرائيل هذا حديث غريب من هذا الوجه وأصل هذا الحديث ثابت في الصحيحين « خ 7222 م 1821 » من حديث جابر بن سمرة قال سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول لا يزال أمر الناس ماضيا ماوليهم اثنا عشر رجلا ثم تكلم النبي صلى الله عليه وسلم بكلمة خفيت علي فسألت أي ماذا قال النبي صلى الله عليه وسلم قال كلهم من قريش وهذا لفظ مسلم ومعنى هذا الحديث بوجود اثني عشر خليفة صالحا يقيم الحق ويعدل فيهم ولايلزم من هذا تواليهم وتتابع أيامهم بل وجد منهم أربعة على نسق وهم الخلفاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم ومنهم عمر بن عبد العزيز بلا شك عند الأئمة وبعض بني العباس ولاتقوم الساعة حتى تكون ولايتهم لامحالة والظاهر أن منهم المهدي المبشر به في الأحاديث الواردة بذكره أنه يواطئ إسمه إسم النبي صلى الله عليه وسلم وإسم أبيه إسم أبيه فيملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما وليس هذا بالمنتظر الذي تتوهم الرافضة وجوده ثم ظهوره من سرداب سامرا فإن ذلك ليس له حقيقة ولا وجود بالكلية بل هو من هوس العقول السخيفة وتوهم الخيالات الضعيفة وليس المراد بهؤلاء الخلفاء الإثني عشر الأئمة الاثني عشر الذين يعتقد فيهم الإثنا عشر من الروافض لجهلهم وقلة عقلهم وفي التوراة البشارة بإسماعيل عليهالسلام وأن الله يقيم من صلبه اثني عشر عظما وهم هؤلاء الخلفاء الإثنا عشر المذكورون في حديث ابن مسعود وجابر بن سمرة وبعض الجهلة ممن أسلم من اليهود إذا اقترن بهم بعض الشيعة يوهمونهم أنهم الأئمة الاثنا عشر فيتشيع كثير منهم جهلا وسفها لقلة علمهم وعلم من لقنهم ذلك بالسنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وقوله تعالى « وقال الله إني معكم » أي بحفظي وكلاءتي ونصري « لئن أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي » أي صدقتموهم فيما يجيؤنكم به من الوحي « وعزرتموهم » أي نصرتموهم ووازرتموهم على الحق « وأقرضتم الله قرضا حسنا » وهو الإنفاق في سبيله وابتغاء مرضاته « لأكفرن عنكم سيآتكم » أي ذنوبكم أمحوها وأسترها ولا أواخذكم بها « ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار » أي أدفع عنكم المحذور وأحصل لكم المقصود وقوله « فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل » أي فمن خالف هذا الميثاق بعد عقده وتوكيده وشده وجحده وعامله معاملة من لا يعرفه فقد أخطأ الطريق الواضح وعدل عن الهدى إلى الضلال ثم أخبر تعالى عما حل بهم من العقوبة عند مخالفتهم ميثاقه ونقضهم عهده فقال « فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم » أي فسبب نقضهم الميثاق الذي أخذ عليهم لعناهم أي أبعدناهم عن الحق وطردناهم عن الهدى « وجعلنا قلوبهم قاسية » أي فلا يتعظون بموعظة لغلظها وقساوتها « يحرفون الكلم عن مواضعه » أي فسدت فهومهم وساء تصرفهم في آيات الله وتأولوا كتابه على غير ما أنزله وحملوه على غير مراده وقالوا عليه ما لم يقل عياذا بالله من ذلك « ونسوا حظا مما ذكروا به » أي وتركوا العمل به رغبة عنه وقال الحسن تركوا عرى دينهم ووظائف الله تعالى التي لا يقبل العمل إلا بها وقال غيره تركوا العمل فصاروا إلى حالة رديئة فلا قلوب سليمة ولا فطر مستقيمة ولا أعمال قويمة « ولا تزال تطلع على خائنة منهم » يعني مكرهم وغدرهم لك ولأصحابك وقال مجاهد وغيره يعني بذلك تمالؤهم على الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم « فاعف عنهم واصفح » وهذا هو عين النصر والظفر كما قال بعض السلف ماعاملت من عصى الله فيك بمثل أن تطيع الله فيه وبهذا يحصل لهم تأليف وجمع على الحق ولعل الله أن يهديهم ولهذا قال تعالى « إن الله يحب المحسنين » يعني به الصفح عمن أساء إليك وقال قتادة هذه الآية فاعف عنهم واصفح منسوخة بقوله « قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر » الآية وقوله تعالى « ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم » أي ومن الذين ادعوا لأنفسهم أنهم نصارى متابعون المسيح ابن مريم عليه السلام وليسوا كذلك أخذنا عليهم العهود والمواثيق على متابعة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومناصرته وموازرته واقتفاء آثاره وعلى الإيمان بكل نبي يرسله الله إلى أهل الأرض ففعلوا كما فعل اليهود خالفوا المواثيق ونقضوا العهود ولهذا قال تعالى « فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة » أي فألقينا بينهم العداوة والبغضاء لبعضهم بعضا ولايزالون كذلك إلى قيام الساعة ولذلك طوائف النصارى على اختلاف أجناسهم لا يزالون متباغضين متعادين يكفر بعضهم بعضا ويلعن بعضهم بعضا فكل فرقة تحرم الأخرى ولا تدعها تلج معبدها فالملكية تكفر باليعقوبية وكذلك الآخرون وكذلك النسطورية والآريوسية كل طائفة تكفر الأخرى في هذه الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ثم قال « وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون » وهذا تهديد ووعيد أكيد للنصارى على ماارتكبوه من الكذب على الله ورسوله وما نسبوه إلى الرب عز وجل وتعالى وتقدس عن قولهم علوا كبيرا من جعلهم له صاحبة وولدا تعالى الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:17 am | |
| 15-يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ
. انظر تفسير الآية 16
16-يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة أنه قد أرسل رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق إلى جميع أهل الأرض عربهم وعجمهم أميهم وكتابيهم وأنه بعثه بالبينات والفرق بين الحق والباطل فقال « يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مماكنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير » أي يبين مابدلوه وحرفوه وأولوه وافتروا على الله فيه ويسكت عن كثير مما غيره ولا فائدة في بيانه وقد روى الحاكم في مستدركه « 4/395 » من حديث الحسين بن واقد عن يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنه قال من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب قوله « يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب » فكان الرجم مما أخفوه ثم قال صحيح الإسناد ولم يخرجاه ثم أخبر تعالى عن القرآن العظيم الذي أنزله على نبيه الكريم فقال « قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام » أي طريق النجاة والسلامة ومناهج الإستقامة « ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم » أي ينجيهم من المهالك ويوضح لهم أبين المسالك فيصرف عنهم المحذور ويحصل لهم أحب الأمور وينفي عنهم الضلالة ويرشدهم إلى أقوم حالة
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:18 am | |
| 17-لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
. انظر تفسير الآية 18
18-وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ
يقول تعالى مخبرا وحاكيا بكفر النصارى في ادعائهم في المسيح ابن مريم وهو عبد من عباد الله وخلق من خلقه أنه هو الله تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ثم قال مخبرا عن قدرته على الأشياء وكونها تحت قهره وسلطانه « قل فمن يملك من الله شيئا إن أراد أن يهلك المسيح ابن مريم وأمه ومن في الأرض جميعا » أي لو أراد ذلك فمن ذا الذي كان يمنعه منه أو من ذا الذي يقدر على صرفه عن ذلك ثم قال « ولله ملك السموات والأرض وما بينهما يخلق ما يشاء » أي جميع الموجودات ملكه وخلقه وهو القادر على ما يشاء لا يسئل عما يفعل بقدرته وسلطانه وعدله وعظمته وهذا رد على النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة ثم قال تعالى ردا على اليهود والنصارى في كذبهم وافترائهم « وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه » أي نحن منتسبون إلى أنبيائه وهم بنوه وله بهم عناية وهو يحبنا ونقلوا عن كتابهم أن الله تعالى قال لعبده إسرائيل أنت ابني بكري فحملوا هذا على غير تأويله وحرفوه وقد رد عليهم غير واحد ممن أسلم من عقلائهم وقالوا هذا يطلق عندهم على التشريف والإكرام كما نقل النصارى من كتابهم أن عيسى قال لهم إني ذاهب إلى أبي وأبيكم يعني ربي وربكم ومعلوم أنهم لم يدعوا لأنفسهم من النبوة ماادعوها في عيسى عليه السلام وإنما أرادوا من ذلك معزتهم لديه وحظوتهم عنده ولهذا قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه قال الله تعالى رادا عليهم « قل فلم يعذبكم بذنوبكم » أي لو كنتم كما تدعون أبناؤه وأحباؤه فلم أعددت لكم نار جهنم على كفركم وكذبكم وافترائكم وقد قال بعض شيوخ الصوفية لبعض الفقهاء أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه فلم يرد عليه فتلا عليه الصوفي هذه الآية « قل فلم يعذبكم بذنوبكم » وهذا الذي قاله حسن وله شاهد في المسند للإمام أحمد « 3/104 » حيث قال حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس قال مر النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه وصبي في الطريق فلما رأت أمه القوم خشيت على ولدها أن يوطأ فأقبلت تسعى وتقول ابني ابني وسمت فأخذته فقال القوم يا رسول الله ماكانت هذه لتلقي ولدها في النار قال فخفضهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لا والله ما يلقي حبيبه في النار تفرد به أحمد « بل أنتم بشر ممن خلق » أي لكم أسوة أمثالكم من بني آدم وهو سبحانه الحاكم في جميع عباده « يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء » أي هو فعال لما يريد لامعقب لحكمه وهو سريع الحساب « ولله ملك السموات والأرض وما بينهما » أي الجميع ملكه وتحت قهره وسلطانه « وإليه المصير » أي المرجع والمآب إليه فيحكم في عباده ما يشاء وهو العادل الذي لا يجور وروى محمد بن إسحاق عن محمد بن أبي محمدعن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس قال وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعمان بن آصا وبحري بن عمرو وشاس ابن عدي فكلموه وكلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ودعاهم إلى الله وحذرهم نقمته فقالوا ما تخوفنا يامحمد نحن والله أبناء الله وأحباؤه كقول النصارى فأنزل الله فيهم « وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه » إلى آخر الآية رواه ابن أبي حاتم وابن جرير ورويا أيضا من طريق أسباط عن السدي في قول الله « وقالت النصارى نحن أبناء الله وأحباؤه » أما قولهم « نحن أبناء الله » فإنهم قالوا إن الله أوحى إلى إسرائيل أن ولدك بكرك من الولد أدخلهم النار فيكونون فيها أربعين ليلة حتى تطهرهم وتأكل خطاياهم ثم ينادي مناد أن اخرجوا كل مختون من ولد إسرائيل فأخرجوهم فذلك قولهم لن تمسنا النار إلا أياما معدودات
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:20 am | |
| 19-يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
يقول تعالى مخاطبا أهل الكتاب من اليهود والنصارى بأنه قد أرسل إليهم رسوله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين الذي لا نبي بعده ولا رسول بل هو المعقب لجميعهم ولهذا قال على فترة من الرسل أي بعد مدة متطاولة مابين إرساله وعيسى بن مريم وقد اختلفوا في مقدار هذه الفترة كم هي فقال عثمان النهدي وقتادة في رواية عنه كانت ست مئة سنة رواه البخاري « 3948 » عن سلمان الفارسي وعن قتادة خمس مئة وستون سنة وقال معمر عن بعض أصحابه خمس مئة وأربعون سنة وقال الضحاك أربع مئة وبضع وثلاثون سنة وذكر ابن عساكر في ترجمة عيسى عليه السلام عن الشعبي أنه قال ومن رفع المسيح إلى هجرة النبي صلى الله عليه وسلم تسع مئة وثلاث وثلاثون سنة والمشهور هو القول الأول وهو أنها ست مئة سنة ومنهم من يقول ست مئة وعشرون سنة ولا منافاة بينهما فإن القائل الأول أراد ست مئة سنة شمسية والآخر أراد قمرية وبين كل مئة سنة شمسية وبين القمرية نحو من ثلاث سنين ولهذا قال تعالى في قصة أهل الكهف « ولبثوا في كهفهم ثلاث مئة سنين وازدادوا تسعا » أي قمرية لتكميل ثلاث مئة الشمسية التي كانت معمولة لأهل الكتاب وكانت الفترة بين عيسى بن مريم آخر أنبياء بني إسرائيل وبين محمد خاتم النبيين من بني آدم على الإطلاق كما ثبت في صحيح البخاري « 3442 » عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن أولى الناس بابن مريم لأنا ليس بيني وبينه نبي وهذا فيه رد على من زعم أنه بعث بعد عيسى نبي يقال له خالد بن سنان كما حكاه القضاعي وغيره والمقصود أن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم علىفترة من الرسل وطموس من السبل وتغير الأديان وكثرة عبادة الأوثان والنيران والصلبان فكانت النعمة به أتم النعم والحاجة إليه أمر عمم فإن الفساد كان قد عم جميع البلاد والطغيان والجهل قد ظهر في سائر العباد إلا قليلا من المتمسكين ببقايا من دين الأنبياء الأقدمين من بعض أحبار اليهود وعباد النصارى والصابئين كما قال الإمام أحمد « 4/162 » حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا هشام حدثنا قتادة عن مطرف عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم فقال في خطبته وإن ربي أمرني أن أعلمكم مما جهلتم مما علمني في يومي هذا كل مال نحلته عبادي حلال وإني خلقت عبادي حنفاء كلهم وإن الشياطين أتتهم فأضلتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحلت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا ثم إن الله عز وجل نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من بني إسرائيل وقال إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك وأنزلت عليك كتابا لا يغسله الماء تقرأه نائما ويقظانا ثم إن الله أمرني أن أحرق قريشا فقلت يارب إذن يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة فقال استخرجهم كما استخرجوك واغزهم نغزك وأنفق عليهم فسننفق عليك وابعث جيشا نبعث خمسا أمثاله وقاتل بمن أطاعك من عصاك وأهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مسقط موفق متصدق ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم ورجل عفيف فقير ذو عيال متصدق وأهل النار خمسة الضعيف الذي لا زبر له الذين هم فيكم تبع أو تبعاء شك يحيى لا يبتغون أهلا ولا مالا والخائن الذي لا يخفى له طمع وإن دق إلا خانه ورجل لا يصبح ولايمسي إلا وهو يخادعك عن أهلك ومالك وذكر البخل أو الكذب والشنظيرالفاحش ثم رواه الإمام أحمد « 4/266 » ومسلم « 2865 » والنسائي « قرآن 95 » من غير وجه عن قتادة عن مطرف بن عبد الله بن الشخير وفي رواية سعيد عن قتادة التصريح بسماع قتادة هذا الحديث من مطرف وقد ذكر الإمام أحمد في مسنده « 4/266 » أن قتادة لم يسمعه من مطرف وإنما سمعه من أربعة عنه ثم رواه هو « 4/266 » عن روح عن عوف عن حكيم الأثرم عن الحسن قال حدثني مطرف عن عياض بن حمار فذكره ورواه النسائي « قرآن 96 » من حديث غندر الأعرابي به والمقصود من إيراد هذا الحديث قوله وإن الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عجمهم وعربهم إلا بقايا من بني إسرائيل وفي لفظ مسلم من أهل الكتاب فكان الدين قد إلتبس على أهل الأرض كلهم حتى بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فهدى الخلائق وأخرجهم الله به من الظلمات إلى النور وتركهم على المحجة البيضاء والشريعة الغراء ولهذا قال تعالى « أن تقولوا ماجاءنا من بشير ولا نذير » أي لئلا تحتجوا وتقولوا يا أيها الذين بدلوا دينهم وغيروه ماجاءنا من رسول يبشر بالخير وينذر من الشر فقد جاءكم بشير ونذير يعني محمدا صلى الله عليه وسلم « والله على كل شيء قدير » قال ابن جرير معناه إني قادر على عقاب من عصاني وثواب من أطاعني
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:24 am | |
| 20-وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنبِيَاء وَجَعَلَكُم مُّلُوكاً وَآتَاكُم مَّا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِّن الْعَالَمِينَ
. انظر تفسير الآية 26
21-يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا خَاسِرِينَ
. انظر تفسير الآية 26
22-قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتَّىَ يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ
. انظر تفسير الآية 26
23-قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُواْ عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ
. انظر تفسير الآية 26
24-قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ
. انظر تفسير الآية 26
24-قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ
. انظر تفسير الآية 26
25-قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ
. انظر تفسير الآية 26
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:26 am | |
| 26-قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ
يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام فيما ذكر به قومه نعم الله عليهم وآلائه لديهم في جمعه لهم خير الدنيا والآخرة لو استقاموا على طريقتهم المستقيمة فقال تعالى « وإذ قال موسى لقومه ياقوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء » أي كلما هلك نبي قام فيكم نبي من لدن أبيكم إبراهيم إلى من بعده وكذلك كانوا لا يزال فيهم الأنبياء يدعون إلى الله ويحذرون نقمته حتى ختموا بعيسى ابن مريم عليه السلام ثم أوحى الله إلى خاتم الأنبياء والرسل على الإطلاق محمد بن عبد الله المنسوب إلى إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام وهو أشرف من كل من تقدمه منهم صلى الله عليه وسلم « وجعلكم ملوكا » قال عبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن الحكم أو غيره عن ابن عباس في قوله وجعلكم ملوكا قال الخادم والمرأة والبيت وروى الحاكم في مستدركه « 2/311 » من حديث الثوري أيضا عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال المرأة والخادم « وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين » قال الذين هم بين ظهرانيهم يومئذ ثم قال الحاكم صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وروى ميمون بن مهران عن ابن عباس قال كان الرجل من بني إسرائيل إذا كان له الزوجة والخادم والدار سمي ملكا وقال بن جرير حدثنا يونس بن عبد الأعلى أنبأنا ابن وهب أنبأنا أبو هانئ أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص وسأله رجل فقال ألسنا من فقراء المهاجرين فقال عبد الله ألك امرأة تأوي إليها قال نعم قال ألك مسكن تسكنه قال نعم قال فأنت من الأغنياء فقال إن لي خادما قال فأنت من الملوك وقال الحسن البصري هل الملك إلا مركب من خادم ودار رواه ابن جرير ثم روى عن منصور الحكم ومجاهد ومنصور وسفيان الثوري نحوا من هذا وحكاه ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران وقال ابن شوذبكان الرجل من بني إسرائيل إذا كان له منزل وخادم واستؤذن عليه فهو ملك وقال قتادة كانوا أول من اتخذ الخدم وقال السدي في قوله « وجعلكم ملوكا » قال يملك الرجل منكم نفسه وماله وأهله رواه ابن أبي حاتم وقال ابن أبي حاتم ذكر عن ابن لهيعة عن دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كان بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم ودابة وامرأة كتب ملكا وهذا حديث غريب من هذا الوجه وقال أبا جرير حدثنا الزبير بن بكار حدثنا أبو ضمرة أنس بن عياض سمعت زيد بن أسلم يقول وجعلكم ملوكا فلا أعلم إلا أنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان له بيت وخادم فهو ملك وهذا مرسل غريب وقال مالك بيت وخادم وزوجة وقد ورد في الحديث من أصبح منكم معافى في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها وقوله « وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين » يعني عالمي زمانكم فإنهم كانوا أشرف الناس في زمانهم من اليونان والقبط وسائر أصناف بني آدم كما قال « ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين » وقال تعالى إخبارا عن موسى لما قالوا اجعل لنا إلها كما لهم آلهة « قال إنكم قوم تجهلون إن هؤلاء متبر ماهم فيه وباطل ماكانوا يعملون قال أغير الله أبغيكم إلها وهو فضلكم على العالمين » والمقصود أنهم كانوا أفضل زمانهم وإلا فهذه الأمة أشرف منهم وأفضل عند الله وأكمل شريعة وأقوم منهاجا وأكرم نبيا وأعظم ملكا وأغزر أرزاقا وأكثر أموالا وأولادا وأوسع مملكة وأدوم عزا قال الله تعالى « وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس » وقد ذكرنا الأحاديث المتواترة في فضل هذه الأمة وشرفها وكرمها عند الله عند قوله تعالى « كنتم خير أمة أخرجت للناس » من سورة آل عمران وروى ابن جرير عن ابن عباس وأبي مالك وسعيد بن جبير أنهم قالوا في قوله « وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين » يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم وكأنهم أرادوا أن هذا الخطاب في قوله « وآتاكم ما لم يؤت أحدا » مع هذه الأمة والجمهور على أنه خطاب من موسى لقومه وهو محمول على عالمي زمانهم كما قدمنا وقيل المراد وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين يعني بذلك ما كان تعالى نزله عليهم من المن والسلوى ويظلهم به من الغمام وغير ذلك مما كان تعالى يخصهم به من خوارق العادات فالله أعلم ثم قال تعالى مختبرا عن تحريض موسى عليه السلام لبني إسرائيل على الجهاد والدخول إلى بيت المقدس الذي كان بأيديهم في زمان أبيهم يعقوب لما ارتحل هو وبنوه وأهله إلى بلاد مصر أيام يوسف عليه السلام ثم لم يزالوا بها حتى خرجوا مع موسى فوجدوا فيها قوما من العمالقة الجبارين قد استحوذوا عليها وتملكوها فأمرهم رسول الله موسى عليه السلام بالدخول إليها وبقتال أعدائهم وبشرهم بالنصرة والظفر عليهم فنكلوا وعصوا وخالفوا أمره فعوقبوا بالذهاب في التيه والتمادي في سيرهم حائرين لا يدرون كيف يتوجهون إلى مقصد مدة أربعين سنة عقوبة لهم على تفريطهم في أمر الله تعالى فقال تعالى مخبرا عن موسى أنه قال ياقوم ادخلوا الأرض المقدسة أي المطهرة وقال سفيان الثوري عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس في قوله ادخلوا الأرض المقدسة قال هي الطور وما حوله وكذا قال مجاهد وغير واحد وروى سفيان الثوري عن أبي سعد البقال عن عكرمة عن ابن عباس قال هي أريحا وكذا ذكر عن غير واحد من المفسرين وفي هذا نظر لأن أريحاء ليست هي المقصودة بالفتح ولا كانت في طريقهم إلى بيت المقدس وقد قدموا من بلاد مصر حين أهلك الله عدوهم فرعون اللهم إلا أن يكون المراد بأريحاء أرض بيت المقدس كما قاله السدي فيما رواه ابن جرير عنه لا أن المراد بها هذه البلدة المعروفة في طرف الطور شرقي بيت المقدس وقوله تعالى « التي كتب الله لكم » أي التي وعدكموها الله على لسان أبيكم إسرائيل أنه ورثة من آمن منكم « ولا ترتدوا على أدباركم » أي ولا تنكلوا عن الجهاد « فتنقلبوا خاسرين قالوا ياموسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون » أي اعتذروا بأن في هذه البلدة التي أمرتنا بدخولها وقتال أهلها قوما جبارين أي ذوي خلق هائلة وقوى شديدة وإننا لا نقدر على مقاومتهم ولا مصاولتهم ولا يمكننا الدخول إليها ماداموا فيها فإن يخرجوا منها دخلناها وإلا فلا طاقة لنا بهم وقد قال ابن جرير حدثني عبد الكريم بن الهيثم حدثنا إبرهيم بن بشار حدثنا سفيان قال قال أبو سعد قال عكرمة عن أبن عباس قال أمر موسى أن يدخل مدينة الجبارين قال فسار موسى بمنمعه حتى نزل قريبا من المدينة وهي أريحاء فبعث إليهم اثني عشر عينا من كل سبط منهم عين ليأتوه بخير القوم قال فدخلوا الدينة فرأوا أمرا عظيما من هيئتهم وجسمهم وعظمهم فدخلوا حائطا لبعضهم فجاء صاحب الحائط ليجتني الثمار من حائطه فجعل يجتني الثمار وينظر إلى آثارهم فتبعم فكلما أصاب واحدا منهم أخذه فجعله في كمه مع الفاكهة حتى التقط الاثني عشر كلهم فجعلهم في كمه مع الفاكهة وذهب بهم إلى ملكهم فنثرهم بين يديه فقال لهم الملك قد رأيتم شأننا وأمرنا فاذهبوا فأخبروا صاحبكم قال فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما عاينوا من أمرهم وفي هذا الإسناد نظر وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس لما نزل موسى وقومه بعث منهم اثني عشر رجلا وهم النقباء الذين ذكرهم الله فبعثهم ليأتوه بخبرهم فساروا فلقيهم رجل من الجبارين فجعلهم في كسائه فحملهم حتى أتى بهم المدينة ونادى في قومه فاجتمعوا إليه فقالوا من أنتم قالوا نحن قوم موسى بعثنا نأتيه بخبركم فاعطوهم حبة من عنب تكفي الرجل فقالوا لهم اذهبوا إلى موسى وقومه فقولوا لهم هذا قدر فاكهتهم فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما رأوا فلما أمرهم موسى عليه السلام بالدخول عليهم وقتالهم قالوا يا موسى اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون رواه ابن أبي حاتم ثم قال حدثنا أبي حدثنا ابن أبي مريم حدثنا يحيى بن أيوب عن يزيد بن الهاد حدثني يحيى بن عبد الرحمن قال رأيت أنس بن مالك أخذ عصا فذرع فيها بشيء لا أدري كم ذرع ثم قاس بها الأرض خمسين أو خمسا وخمسين ثم قال هكذا طول العماليق وقد ذكر كثير من المفسرين ها هنا أخبارا من موضع بني إسرائيل في عظمة خلق هؤلاء الجبارين وأن منهم عوج بن عنق بنت آدم عليه السلام وأنه كان طوله ثلاثة آلاف ذراع وثلاث مئة وثلاثة وثلاثون ذراعا وثلث ذراع تحرير الحساب وهذا شيء يستحى من ذكره ثم هو مخالف لما ذكر في الصحيحين « خ 3326 م 2841 » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إن الله خلق آدم وطوله ستون ذراعا ثم لم يزل الخلق ينقص حتى الآن ثم ذكروا أن هذا الرجل كان كافرا وأنه كان ولد زنية وأنه امتنع من ركوب سفينة نوح وأن الطوفان لم يصل إلى ركبته وهذا كذب وافتراء فإن الله ذكر أن نوحا دعا على أهل الأرض من الكافرين فقال « رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا » وقال تعالى « فأنجيناه ومن معه في الفلك المشحون ثم أغرقنا بعد الباقين » وقال تعالى « لاعاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم » وإذا كان ابن نوح الكافر غرق فكيف يبقى عوج بن عنق وهو كافر وولد زنية هذا لا يسوغ في عقل ولا شرع ثم في وجود رجل يقال له عوج بن عنق نظر والله أعلم وقوله تعالى « قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما » أي فلما نكل بنو إسرائيل عن طاعة الله ومتابعة رسول الله موسى صلى الله عليه وسلم حرضهم رجلان لله عليهما نعمة عظيمة وهما ممن يخاف أمر الله ويخشى عقابه وقرأ بعضهم « قال رجلان من الذين يخافون » أي ممن لهما مهابة وموضع من الناس ويقال إنهما يوشع بن نون وكالب ابن يوفنا قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطية والسدي والربيع بن أنس وغير واحد من السلف والخلف رحمهم الله فقالا « ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين » أي إن توكلتم على الله واتبعتم أمره ووافقتم رسوله نصركم الله على أعدائكم وأيدكم وظفركم بهم ودخلتم البلد التي كتبها لكم فلم ينفع ذاك فيهم شيئا « قالوا ياموسى إنا لن ندخلها أبدا ماداموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون » وهذا نكول منهم عن الجهاد ومخالفة لرسولهم وتخلف عن مقاتلة الأعداء ويقال إنهم لما نكلوا عن الجهاد وعزموا على الإنصراف والرجوع إلى مصر سجد موسى وهارون عليهما السلام قدام ملأ من بني إسرائيل إعظاما لما هموا به وشق يوشع بن نون وكالب بن يوفنا ثيابهما ولاما قومهما على ذلك فيقال إنهم رجموهما وجرى أمر عظيم وخطر جليل وما أحسن ما أجاب به من الصحابة رضي الله عنهم يوم بدر رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استشارهم في قتال النفير الذين جاؤا لمنع العير الذي كان مع أبي سفيان فلما فات اقتناص العير واقترب منهم النفير وهم في جمع مابين التسع مئة إلى الألف في العدة والبيض واليلب فتكلم أبو بكر رضي الله عنه فأحسن ثم تكلم من تكلم من الصحابة من المهاجرين ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول أشيروا علي أيها المسلمون وما يقول ذلك إلا ليستعلم ماعند الأنصار لأنهم كانوا جمهور الناس يومئذ فقال سعد بن معاذ كأنك تعرض بنا يا رسول الله فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضتهلخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر في الحرب صدق في اللقاء لعل الله أن يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول سعد ونشطه ذلك وقال أبو بكر بن مردوية حدثنا علي بن الحسين حدثنا أبو حاتم الرازي حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثنا حميد عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سار إلى بدر استشار المسلمين فأشار عليه عمر ثم استشارهم فقالت الأنصار يامعشر الأنصار إياكم يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا إذا لا نقول له كما قالت بنو إسرائيل لموسى « اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون » والذي بعثك بالحق لو ضربت أكبادها برك إلى الغماد لاتبعناك ورواه الإمام أحمد « 3/105 » عن عبيدة بن حميد عن حميد الطويل عن أنس به ورواه النسائي « صحابة 243 » عن محمد بن المثنى عن خالد بن الحارث عن حميد به ورواه ابن حبان « 4721 » عن أبي يعلى « 3803 » عن عبد الأعلى بن حماد بن معتمر بن سليمان عن حميد به وقال ابن مردوية أخبرنا عبد الله بن جعفر أخبرنا إسماعيل بن عبد الله حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم حدثنا محمد بن شعيب عن الحسن بن أيوب عن عبد الله بن ناسح عن عتبة بن عبد السلمى قال قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه ألا تقاتلون قالوا نعم ولا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى « إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون » ولكن إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون وكان ممن أجاب يومئذ المقداد بن عمرو الكندي رضي الله عنه كما قال الإمام أحمد حدثنا وكيع حدثني سفيان عن مخارق بن عبد الله الأحمسي عن طارق هو ابن شهاب أن المقداد قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر يا رسول الله إنا لا نقول لك كما قالت بني إسرائيل لموسى « إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون » ولكن إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون هكذا رواه أحمد من هذا الوجه وقد رواه من طريق أخرى فقال « 1/389 » حدثنا أسود بن عامر حدثنا إسرائيل عن مخارق عن طارق بن شهاب قال قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه لقد شهدت من المقداد مشهدا لأن أكون أنا صاحبه أحب إلي مما عدل به أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يدعو على المشركين فقال والله يا رسول الله لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى « إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون » ولكنا نقاتل عن يمينك وعن يسارك ومن بين يديك ومن خلفك فرأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يشرق لذلك وسر بذلك وهكذا رواه البخاري في المغازي « 3952 » وفي التفسير « 4609 » من طرق عن مخارق به ولفظه في كتاب التفسير عن عبد الله قال قال المقداد يوم بدر يا رسول الله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى « إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون » ولكن إمض ونحن معك فكأنه سرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال البخاري رواه وكيع عن سفيان عن مخارق عن طارق أن المقداد قال للنبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن جرير حدثنا بشر عن يزيد حدثنا سعيد عن قتادة قال ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم الحديبية حين صد المشركين الهدي وحيل بينهم وبين مناسكهم إني ذاهب بالهدي فناحره عند البيت فقال المقداد بن الأسود أما والله لا نكون كالملأ من بني إسرائيل إذ قالوا لنبيهم « إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون » ولكن إذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فلما سمعها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تتابعوا على ذلك وهذا إن كان محفوظا يوم الحديبية فيحتمل أنه كرر هذه المقالة يومئذ كما قاله يوم بدر وقوله « قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين » يعني لما نكل بنو إسرائيل عن القتال غضب عليهم موسى عليه السلام وقال داعيا عليهم « رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي » أي ليس أحد يطيعني منهم فيمتثل أمر الله ويجيب إلى مادعوت إليه إلا أنا وأخي هارون « فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين » قال العوفي عن ابن عباس يعني إقض بيني وبينهم وكذا قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وكذا قال الضحاك إقض بيننا وبينهم وافتح بيننا وبينهم وقال غيره افرق افصل بيننا وبينهم كما قال الشاعر-يارب فافرق بينه وبيني أشد مافرقت بين اثنين-وقوله تعالى « فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض » الآية لما دعا عليهم موسى عليه السلام حين نكلوا عن الجهاد حكم الله بتحريم دخولها عليهم قدر مدة أربعين سنة فوقعوا في التيه يسيرون دائما لا يهتدون للخروج منه وفيه كانت أمور عجيبة وخوارق كثيرة من تظليلهم بالغمام وإنزال المن والسلوى عليهم ومن إخراج الماء الجاري من صخرةصماء تحمل معهم على دابة فإذا ضربها موسى بعصاه انفجرت من ذلك الحجر اثنا عشر عينا تجري لكل شعب عين وغير ذلك من المعجزات التي أيد الله بها موسى بن عمران وهناك نزلت التوراة وشرعت لهم الأحكام وعملت قبة العهد ويقال لها قبة الزمان قال يزيد بن هارون عن أصبغ بن زيد عن القاسم بن أبي أيوب عن سعيد بن جبير سألت ابن عباس عن قوله « فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض » الآية قال فتاهوا في الأرض أربعين سنة يصبحون كل يوم يسيرون ليس لهم قرار ثم ظلل عليهم الغمام في التيه وأنزل عليهم المن والسلوى وهذا قطعة من حديث الفتون ثم كانت وفاة هارون عليه السلام ثم بعده بمدة ثلاث سنين وفاة موسى الكليم عليه السلام وأقام الله فيهم يوشع بن نون عليه السلام نبيا خليفة عن موسى بن عمران ومات أكثر بني إسرائيل هناك في تلك المدة ويقال إنه لم يبق منه أحد سوى يوشع وكالب ومن ها هنا قال بعض المفسرين في قوله « قال فإنها محرمة عليهم » هذا وقف تام وقوله « أربعين سنة » منصوب بقوله « يتيهون في الأرض » فلما انقضت المدة خرج بهم يوشع بن نون عليه السلام أو بمن بقي منهم وبسائر بني إسرائيل من الجيل الثاني فقصد بهم بيت المقدس فحاصرها فكان فتحها يوم الجمعة بعد العصر فلما تضيفت الشمس للغروب وخشي دخول السبت عليهم قال إنك مأمورة وأنا مأمور إللهم احبسها علي فحبسها الله حتى فتحها وأمر الله يوشع بن نون أن يأمر بني إسرائيل حين يدخلون بيت المقدس أن يدخلوا بابها سجدا وهم يقولون حطة أي حط عنا ذنوبنا فبدلوا ما أمروا به ودخلوا يزحفون على أستاههم وهم يقولون حبة في شعرة وقد تقدم هذا كله في سورة البقرة وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا محمد بن بن أبي عمر العدني حدثنا سفيان عن أبي سعد عن عكرمة عن أبن عباس رضي الله عنه قوله « فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض » قال فتاهوا أربعين سنة قال فهلك موسى وهارون في التيه وكل من جاوز الأربعين سنة فلما مضت الأربعون سنة ناهضهم يوشع بن نون وهو الذي قام بالأمر بعد موسى وهو الذي افتتحها وهو الذي قيل له اليوم يوم الجمعة فهموا بافتتاحها ودنت الشمس للغروب فخشي إن دخلت ليلة السبت أن يسبتوا فنادى الشمس إني مأمور وإنك مأمورة فوقفت حتى افتتحها فوجد فيها من الأموال ما لم ير مثله قط فقربوه إلى النار فلم تأته فقال فيكم الغلول فدعا رءوس الأسباط وهم اثنا عشر رجلا فبايعهم والتصقت يد رجل منهم بيده فقال الغلول عندك فأخرجه فأخرج رأس بقرة من ذهب لها عينان من ياقوت وأسنان من لؤلؤ فوضعه مع القربان فأتت النار فأكلتها وهذا السياق له شاهد في الصحيح وقد اختار ابن جرير أن قوله « فإنها محرمة عليهم » هو للعامل في أربعين سنة وأنهم مكثوا لا يدخلونها أربعين سنة وهم تائهون في البرية لا يهتدون لمقصد قال ثم خرجوا مع موسى عليه السلام ففتح بهم بيت المقدس ثم احتج على ذلك من قال بإجماع علماء أخبار الأولين أن عوج بن عنق قتله موسى عليه السلام قال فلو كان قتله إياه قبل التيه لما رهبت بنو إسرائيل من العماليق فدل على أنه كان التيه قال وأجمعوا على أن بلعام بن باعورا أعان الجبارين بالدعاء على موسى قال وماذاك إلا بعد التيه لأنهم كانوا قبل التيه يخافون من موسى وقومه هذا استدلاله ثم قال حدثنا أبو كريب حدثنا ابن عطية حدثنا قيس عن أبي إسحاق عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانت عصا موسى عشرة أذرع ووثبته عشرة أذرع وطوله عشرة أذرع فوثب فأصاب كعب عوج فقتله فكان جسرا لأهل النيل سنة وروي أيضا عن محمد بن بشار حدثنا مؤمل حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن نوف البكالي قال كان سرير عوج ثمان مئة ذراع وكان طول موسى عشرة أذرع وعصاه عشرة أذرع ووثب في السماء عشرة أذرع فضرب عوجا فأصاب كعبه فسقط ميتا وكان جسرا للناس يمرون عليه وقوله تعالى « فلا تأس على القوم الفاسقين » تسلية لموسى عليه السلام عنهم أي لا تأسف ولا تحزن عليهم فيما حكمت عليهم فإنهم مستحقون ذلك وهذه القصة تضمنت تقريع اليهود وبيان فضائحهم ومخالفتهم لله ولرسوله ونكولهم عن طاعتهما فيما أمراهم به من الجهاد فضعفت أنفسهم عن مصابرة الأعداء ومجالدتهم ومقاتلتهم مع أن بين أظهرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكليمه وصفيه من خلقه في ذلك الزمان وهو يعدهم بالنصر والظفر بأعدائهم هذا مع ما شاهدوا من فعل الله بعدوهم فرعون من العذاب والنكال والغرق له ولجنوده في اليموهم ينظرون لتقربه أعينهم وما بالعهد من قدم ثم ينكلون عن مقاتلة أهل بلد هي بالنسبة إلى ديار مضر لا توازي عشر المعشار في عدة أهلها وعددهم فظهرت قبائح صنيعهم للخاص والعام وافتضحوا فضيحة لا يغطيها الليل ولا يسترها الذيل هذا وهم في جهلهم يعمهون وفي غيهم يترددون وهم البغضاء إلى الله وأعداؤه ويقولون مع ذلك نحن أبناءالله وأحباؤه فقبح الله وجوههم التي مسخ منها الخنازير والقرود وألزمهم لعنة تصحبهم إلى النار ذات الوقود ويقضي لهم فيها بتأييد الخلود وقد فعل وله الحمد من جميع الوجود
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:29 am | |
| 27-وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِن أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ
. انظر تفسير الآية 31
28-لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ
. انظر تفسير الآية 31
29-إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ
. انظر تفسير الآية 31
30-فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ
. انظر تفسير الآية 31
31-فَبَعَثَ اللّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَـذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ
يقول تعالى مبينا وخيم عاقبة البغي والحسد والظلم في خبر بني آدم لصلبه في قول الجمهور وهما قابيل وهابيل كيف عدا أحدهما على الآخر فقتله بغيا عليه وحسدا له فيما وهبه الله من النعمة وتقبل القربان الذي أخلص فيه لله عز وجل ففاز المقتول بوضع الآثام والدخول إلى الجنة وخاب القاتل ورجع بالصفقة الخاسرة في الدارين فقال تعالى « واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق » أي اقصص على هؤلاء البغاة الحسدة إخوان الخنازير والقردة من اليهود وأمثالهم وأشباههم خبر ابني آدم وهما هابيل وقابيل فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف وقوله « بالحق » أي على الجلية والأمر الذي لالبس فيه ولا كذب ولا وهم ولا تبديل ولا زيادة ولا نقصان كقوله تعالى « إن هذا لهو القصص الحق » وقوله تعالى « نحن نقص عليك نبأهم بالحق » وقال « ذلك عيسى ابن مريم قول الحق » وكان من خبرهما فيما ذكره غير واحد من السلف والخلف أن الله تعالى شرع لآدم عليه السلام أن يزوج بناته من بنيه لضرورة الحال ولكن قالوا كان يولد له في كل بطن ذكر وأنثى فكان يزوج أنثى هذا البطن لذكر البطن الآخر وكانت أخت هابيل دميمة وأخت قابيل وضيئة فأراد أن يستأثر بها على أخيه فأبى آدم ذلك إلا أن يقربا قربانا فمن تقبل منه فهي له فتقبل من هابيل ولم يتقبل من قابيل فكان من أمرهما ما قصه الله في كتابه-قصة هابيل وقابيل- « ذكر أقوال المفسرين ها هنا » قال السدي فيما ذكر عن أبي مالك وعن أبي صالح وعن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان لا يولد لآدم مولود إلا ومعه جارية فكان يزوج غلام هذا البطن جارية هذا البطن الآخر ويزوج جارية هذا البطن غلام هذا البطن الآخر حتى ولد له ابنان يقال لهما هابيل وقابيل وكان قابيل صاحب زرع وكان هابيل صاحب ضرع وكان قابيل أكبرهما وكان له أخت أحسن من أخت هابيل وأن هابيل طلب أن ينكح أخت قابيل فأبى عليه وقال هي أختي ولدت معي وهي أحسن من أختك وأنا أحق أن أتزوج بها فأمره أبوه أن يزوجها هابيل فأبى وأنهما قربا قربانا إلى الله عز وجل أيهما أحق بالجارية وكان آدم عليه السلام قد غاب عنهما أتى مكة ينظر إليها قال الله عز وجل هل تعلم أن لي بيتا في الأرض قال اللهم لا قال إن لي بيتا في مكة فأته فقال آدم للسماء احفظيولدي بالأمانة فأبت وقال للأرض فأبت وقال للجبال فأبت فقال لقابيل فقال نعم تذهب وترجع وتجد أهلك كما يسرك فلما انطلق آدم قربا قربانا وكان قابيل يفخر عليه فقال أنا أحق بها منك هي أختي وأنا أكبر منك وأنا وصي والدي فلما قربا قرب هابيل جذعة سمينة وقرب قابيل حزمة سنبل فوجد فيها سنبلة عظيمة ففركها وأكلها فنزلت النار فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل فغضب وقال لأقتلنك حتى لا تنكح أختي فقال هابيل إنما يتقبل الله من المتقين رواه ابن جرير وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح حدثنا حجاج عن ابن جريج أخبرني ابن خثيم قال أقبلت مع سعيد بن جبير فحدثني عن ابن عباس قال نهى أن تنكح المرأة أخاها توأمها وأمر أن ينكحها غيره من إخوتها وكان يولد له في كل بطن رجل وامرأة فبينما هم كذلك ولد له امرأة وضيئة وولد له أخرى قبيحة دميمة فقال أخو الدميمة أنكحني أختك وأنكحك أختي فقال لا أنا أحق بأختي فقربا قربانا فتقبل من صاحب الكبش ولم يتقبل من صاحب الزرع فقتله إسناد جيد وحدثنا أبي حدثنا أبو سلمة حدثنا حماد بن سلمة عن عبد الله بن عثمان بن خثيم عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وقوله « إذ قربا قربانا » فقربا قربانهما فجاء صاحب الغنم بكبش أعين أقرن أبيض وصاحب الحرث بصبرة من طعامه فقبل الله الكبش فخزنه في الجنة أربعين خريفا وهو الكبش الذي ذبحه إبراهيم عليه السلام إسناد جيد وقال ابن جرير حدثنا ابن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا عوف عن أبي المغيرة عن عبد الله بن عمرو قال إن ابني آدم الذين قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر كان أحدهما صاحب حرث والآخر صاحب غنم وأنهما أمرا أن يقربا قربانا وإن صاحب الغنم قرب أكرم غنمه وأسمنها وأحسنها طيبة بها نفسه وإن صاحب الحرث قرب أشر حرثه الكودن والزوان غير طيبة بها نفسه وأن الله عز وجل تقبل قربان صاحب الغنم ولم يتقبل قربان صاحب الحرث وكان من قصتهما ما قص الله في كتابه قال وايم الله إن كان المقتول لأشد الرجلين ولكن منعه التحرج أن يبسط يده إلى أخيه وقال إسماعيل بن رافع المدني القاص بلغني أن ابني آدم لما أمرا بالقربان كان أحدهما صاحب غنم وكان أنتج له حمل في غنمه فأحبه حتى كان يؤثره بالليل وكان يحمله على ظهره من حبه حتى لم يكن له مال أحب إليه منه فلما أمر بالقربان قربه لله عز وجل فقبله الله منه فما زال يرتع إلى الجنة حتى فدي به ابن إبراهيم عليه السلام رواه ابن جرير وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا الأنصاريحدثنا القاسم بن عبد الرحمن حدثنا محمد بن علي بن الحسين قال قال آدم عليه السلام لهابيل وقابيل إن ربي عهد إلي أنه كائن من ذريتي من يقرب القربان فقربا قربانا حتى تقر عيني إذا تقبل قربانكما فقربا وكان هابيل صاحب غنم فقرب أكولة غنم خير ماله وكان قابيل صاحب زرع فقرب مشاقة من زرعه فانطلق آدم معهما ومعهما قربانهما فصعدا الجبل فوضعا قربانهما ثم جلسوا ثلاثتهم آدم وهما ينظران إلى القربان فبعث الله نارا حتى إذا كانت فوقهما دنا منها عنق فاحتمل قربان هابيل وترك قربان قابيل فانصرفوا وعلم آدم أن قابيل مسخوط عليه فقال ويلك ياقابيل رد عليك قربانك فقال قابيل أحببته فصليت على قربانه ودعوت له فتقبل قربانه ورد علي قرباني فقال قابيل لهابيل لأقتلنك واستريح منك دعا لك أبوك فصلى على قربانك فتقبل منك وكان يتواعده بالقتل إلى أن احتبس هابيل ذات عشية في غنمه فقال آدم ياقابيل أين أخوك قال وبعثتني له راعيا لا أدري فقال آدم ويلك ياقابيل انطلق فاطلب أخاك فقال قابيل في نفسه الليلة أقتله وأخذ معه حديدة فاستقبله وهو منقلب فقال ياهابيل تقبل قربانك ورد علي قرباني لأقتلنك فقال هابيل قربت أطيب مالي وقربت أنت أخبث مالك وإن الله لا يقبل إلا الطيب إنما يتقبل الله من المتقين فلما قالها غضب قابيل فرفع الحديدة وضربه بها فقال ويلك ياقابيل أين أنت من الله كيف يجزيك بعملك فقتله وطرحه في جوبة من الأرض وحثى عليه شيئا من التراب وروى محمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول أن آدم أمر ابنه قينا أن ينكح أخته توأمة هابيل وأمر هابيل أن ينكح اخته توأمة قابيل فسلم لذلك هابيل ورضى وأبى ذلك قابيل وكره تكرما عن اخت هابيل ورغب بأخته عن هابيل وقال نحن من ولادة الجنة وهما من ولادة الأرض وأنا أحق بأختي ويقول بعض أهل العلم بالكتاب الأول كانت أخت قابيل من أحسن الناس فضن بها على أخيه وأرادها لنفسه والله أعلم أي ذلك كان فقال له أبوه يا بنيإنها لا تحل لك فأبى قابيل أن يقبل ذلك من قول أبيه قال له أبوه يا بنيقرب قربانا ويقرب أخوك هابيل قربانا فأيكما تقبل قربانه فو أحق بها وكان قابيل على بذر الأرض وكان هابيل على رعاية الماشية فقرب قابيل قمحا وقرب هابيل أبكارا من أبكار غنمه وبعضهم يقول قرب بقرة فأرسل الله نارا بيضاء فأكلت قربان هابيل وتركت قربان قابيل وبذلك كان يقبل القربان إذا قبله رواه ابن جرير وروى العوفي عن ابن عباس قال من شأنهما أنه لم يكن مسكين يتصدق عليه وإنما كان القربان يقربه الرجل فبينا ابنا آدم قاعدان إذ قالا لو قربنا قربانا وكان الرجل إذا قرب قربانا فرضيه الله أرسل إليه نارا فتأكله وإن لم يكن رضيه الله خبت النار فقربا قربانا وكان أحدهما راعيا وكان الآخر حراثا وإن صاحب الغنم قرب خير غنمه وأسمنها وقر الآخر بعض زرعه فجاءت النار فنزلت بينهما فأكلت الشاة وتركت الزرع وإن ابن آدم قال لأخيه أتمشي في الناس وقد علموا أنك قربت قربانا فتقبل منك ورد علي فلا والله لا ينظر الناس الي وأنت خير مني فقال لأقتلك فقال له أخوه ماذنبي إنما يتقبل الله من المتقين رواه ابن جرير فهذا الأثر يقتضي أن تقريب القربان كان لاعن سبب ولا عن تدارئ في امرأة كما تقدم عن جماعة ممن تقدم ذكرهم وهو ظاهر القرآن « إذ قربا قربانا فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبل الله من المتقين » فالسياق يقتضي أنه إنما غضب عليه وحسده بقبوله قربانه دونه ثم المشهور عند الجمهور أن الذي قرب الشاة هو هابيل وأن الذي قرب الطعام هو قابيل وأنه تقبل من هابيل شأنه حتى قال ابن عباس وغيره إنها الكبش الذي فدى به الذبيح وهو مناسب والله أعلم ولم يتقبل من قابيل كذلك نص عليه غير واحد من السلف والخلف وهو المشهور عن مجاهد أيضا ولكن روى ابن جرير عنه أنه قال الذي قرب الزرع قابيل وهو المتقبل منه وهذا خلاف المشهور ولعله لم يحفظ عنه جيدا والله أعلم-ومعنى قوله « إنما يتقبل الله من المتقين » أي ممن اتقى الله في فعله ذلك وقال ابن أبي حاتم حدثنا إبراهيم بن العلاء بن زبريق حدثنا إسماعيل بن عياش حدثني صفوان بن عمرو عن تميم يعني ابن مالك المقرئ قال سمعت أبا الدرداء يقول لأن أستيقن أن الله قد تقبل لي صلاة واحدة وأحب إلي من الدنيا ما فيها إن الله يقول « إنما يتقبل الله من المتقين » وحدثنا أبي حدثنا عبد الله بن عمران حدثنا إسحاق بن سليمان يعني الرازي عن المغيرة بن مسلم عن ميمون بن أبي حمزة قال كنت جالسا عند أبي وائل فدخل علينا رجل يقال له أبو عفيف من أصحاب معاذ فقال له شقيق بن سلمة يا أبا عفيف ألا تحدثنا عن معاذ بن جبل قال بلى سمعته يقول يحبس الناس في بقيع واحد فينادي مناد أين المتقون فيقومون في كنف من الرحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر قلت من المتقون قال قوم إتقوا الشرك وعبادة الأوثان وأخلصوا العبادة فيمرون إلى الجنة وقوله « لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين » يقول له أخوه الرجل الصالح الذي تقبل الله قربانه لتقواه حين تواعده أخوه بالقتل عن غير ماذنب منه إليه « لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك » أي لا أقابلك على صنيعك الفاسد بمثله فأكون أنا وأنت سواء في الخطيئة « إني أخاف الله رب العالمين » أي من أن أصنع كما تريد أن تصنع بل أصبر وأحتسب قال عبد الله بن عمرو وايم الله إن كان لأشد الرجلين ولكن منعه التحرج يعني الورع ولهذا ثبت في الصحيحين « خ 31 م 2888 » عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا تواجه المسلمون بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال إنه كان حريصا على قتل صاحبه وقال الإمام أحمد « 1/185 » حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ليث بن سعد عن عياش بن عباس عن بكير بن عبد الله عن بسر بن سعيد أن سعد بن أبي وقاص قال عند فتنة عثمان أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي قال أفرأيت إن دخل علي بيتي فبسط يده إلي ليقتلني فقال كن كابن آدم وكذا رواه الترمذي « 2194 » عن قتيبة بن سعيد وقال هذا حديث حسن وفي الباب عن أبي هريرة وخباب بن الأرت وأبي بكر وابن مسعود وأبي واقد وأبي موسى وخرشة ورواه بعضهم عن الليث بن سعد وزاد في الإسناد رجلا قال الحافظ ابن عساكر الرجل هو حسين الأشجعي قلت وقد رواه أبو داود « 4257 » من طريقه فقال حدثنا يزيد بن خالد الرملي حدثناالفضل عن عياش بن عباس عن بكير عن بسر بن سعيد عن حسين بن عبد الرحمن الأشجعي أنه سمع سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث قال فقلت يا رسول الله أرأيت إن دخل بيتي وبسط يده ليقتلني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كن كابن آدم وتلا « لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين » قال أيوب السختياني إن أول ما أخذ بهذه الآية من هذه الأمة « لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين » لعثمان بن عفان رضي الله عنه رواه ابن أبي حاتم وقال الإمام أحمد « 5/149 » حدثنا محروم حدثني أبو عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال ركب النبي صلى الله عليه وسلم حمارا وأردفني خلفه وقال يا أبا ذر أرأيت إن أصاب الناس جوع شديد لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك كيف تصنع قال قال الله ورسوله أعلم قال تعفف قال يا أبا ذر أرأيت إن أصاب الناس موت شديد يكون البيت فيه بالعبد يعني القبر كيف تصنع قلت الله ورسوله أعلم قال إصبر قال يا أباذر أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضا يعني حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء كيف تصنع قال الله ورسوله أعلم قال أقعد في بيتك وأغلق عليك بابك قال فإن لم أترك قال فأت من أنت منهم فكن منهم قال فأخذ سلاحي قال فإذا تشاركهم فيما هم فيه ولكن إذا خشيت أن يردعك شعاع السيف فألق طرف ردائك على وجهك كي يبوء بإثمه وإثمك ورواه مسلم وأهل السنن سوى النسائي من طرق عن أبي عمران الجوني عن عبد الله بن الصامت به ورواه أبو داود وابن ماجة « د 4261 جه 3958 » من طريق حماد بن زيد عن أبي عمران عن المشعث بن طريف عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر بنحوه قال أبو داود لم يذكر المشعث في هذا الحديث غير حماد بن زيد وقال ابن مردويه حدثنا محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سفيان عن منصور عن ربعي قال كنا في جنازة حذيفة فسمعت رجلا يقول سمعت هذا يقول في ناس مما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم لئن اقتتلتم لأنظرن إلى أقصى بيت في داري فلألجنه فلئن دخل علي فلان لأقولن ها بؤ بإثمي وأثمك فأكون كخير ابني آدم وقوله « إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين » قال ابن عباس ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي في قوله « إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك » أي بإثم قتلي وإثمك الذي عليك قبل ذلك قاله ابن جرير وقال آخرون يعني بذلكإني أريد أن تبوء بخطيئتي فتتحمل وزرها وإثمك في قتلك إياي وهذا قول وجدته عن مجاهد وأخشى أن يكون غلطا لأن الصحيح من الرواية عنه خلافه يعني مارواه سفيان الثوري عن منصور عن مجاهد « إني أريد أن تبوء بإثمي » قال بقتلك إياي « وإثمك » قال بما كان منك قبل ذلك وكذا رواه عيسى عن ابن أبي نجيح عن مجاهد بمثله وروى شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد « إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك » يقول إني أريد أن يكون عليك خطيئتي ودمي فتبوء بهما جميعا « قلت » وقد يتوهم كثير من الناس هذا القول ويذكرون في ذلك حديثا لا أصل له ما ترك القاتل على المقتول من ذنب وقد روى الحافظ أبو بكر البزار « 1545 » حديثا يشبه هذا ولكن ليس به فقال حدثنا عمرو بن علي حدثنا عامر بن إبراهيم الأصبهاني حدثنا يعقوب بن عبد الله حدثنا عنبسة بن سعيد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل الصبر لا يمر بذنب إلا محاه وهذا بهذا لا يصح ولو صح فمعناه إن الله يكفر عن المقتول بألم القتل ذنوبه فأما أن نحمل على القاتل فلا ولكن قد يتفق هذا في بعض الأشخاص وهو الغالب فإن المقتول يطالب القاتل في العرصات فيؤخذ له من حسناته بقدر مظلمته فان نفدت ولم يستوف حقه أخذ من سيأت المقتول فطرحت على القاتل فربما لا يبقى على المقتول خطيئة إلا وضعت على القاتل وقد صح الحديث بذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المظالم كلها والقتل من أعظمها وأشدها والله أعلم وأما ابن جرير فقال والصواب من القول في ذلك أن يقال إن تأويله إني أريد أن تنصرف بخطيئتك في قتلك إياي وذلك هو معنى قوله « إني أريد أن تبوء بإثمي » وأما معنى وإثمك فهو إثمه يعني قتله وذلك معصية الله عز وجل في أعمال سواه وإنما قلنا ذلك هو الصواب لإجماع أهل التأويل عليه وأن الله عز وجل أخبرنا أن كل عامل فجزاء عمله له أو عليه وإذا كان هذا حكمه في خلقه فغير جائز أن تكون آثام المقتول مأخوذا بها القاتل وإنما يؤخذ القاتل بإثمه بالقتل المحرم وسائر آثام معاصيه التي ارتكبها بنفسه دون ماركبه قتيله هذا لفظه ثم أورد على هذا سؤالا حاصله كيف أراد هابيل أن يكون على أخيه قابيل إثم قتلهوإثم نفسه مع أن قتله له محرم وأجاب بما حاصله أن هابيل أخبر عن نفسه بأنه لا يقاتل أخاه إن قاتله بل يكف عنه يده طالبا إن وقع قتل أن يكون من أخيه لا منه قلت وهذا الكلام متضمن موعظة له لو اتعظ وزجرا له لو انزجر ولهذا قال « إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك » أي تتحمل إثمي وإثمك « فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين » وقال ابن عباس خوفه بالنار فلم ينته ولم ينزجر وقوله تعالى « فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين » أي فحسنت وسولت له نفسه وشجعته على قتل أخيه فقتله أي بعد هذه الموعظة وهذا الزجر وقد تقدم في الرواية عن أبي جعفر الباقر وهو محمد بن علي بن الحسين أنه قتله بحديدة في يده وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن عبد الله وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فطوعت له نفسه قتل أخيه فطلبه ليقتله فراغ الغلام منه في رءوس الجبال فأتاه يوما من الأيام وهو يرعى غنما له وهو نائم فرفع صخرة فشدخ بها رأسه فمات فتركه بالعراء رواه ابن جرير وعن بعض أهل الكتاب أنه قتله خنقا وعضا كما تقتل السباع وقال ابن جريج لما أراد أن يقتله جعل يلوي عتقه فأخذ إبليس دابة ووضع رأسها على حجر ثم أخذ حجرا آخر فضرب به رأسها حتى قتلها وابن آدم ينظر ففعل بأخيه مثل ذلك رواه ابن أبي حاتم وقال عبد الله بن وهب وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه قال أخذ برأسه ليقتله فاضطجع له وجعل يغمز رأسه وعظامه ولايدري كيف يقتله فجا إبليس فقال أتريد أن تقتله قال نعم قال فخذ هذه الصخرة فاطرحها على رأسه قال فأخذها فألقاها عليه فشدخ رأسه ثم جاء إبليس إلى حواء مسرعا فقال ياحواء إن قابيل قتل هابيل فقالت له ويحك وأي شيء يكون القتل قال لا يأكل ولا يشرب ولايتحرك قالت ذلك الموت قال فهو الموت فجعلت تصيح حتى دخل عليها آدم وهي تصيح فقال مالك فلم تكلمه فرجع إليها مرتين فلم تكلمه فقال عليك الصيحة وعلى بناتك وأنا وبني منها برآء رواه ابن أبي حاتم وقوله « فأصبح من الخاسرين » أي في الدنيا والآخرة وأي خسارة أعظم من هذه وقد قال الإمام أحمد « 1/383 » حدثنا أبو معاوية ووكيع قالا حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله بن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقتل نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل وقد أخرجه الجماعة « خ 3335 م 1677 ت 2673 س 7/81 جه 2616 » سوى أبي داود من طرق عن الأعمش به وقال ابن جرير حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثني الحجاج قال قال ابن جريج قال مجاهد علقت إحدى رجلي القاتل بساقها إلى فخذها من يومئذ ووجهه في الشمس حيثما دارت دار عليه في الصيف حظيرة من نار وعليه في الشتاء حظيرة من ثلج قال وقال عبد الله بن عمر وإنا لنجد ابن آدم القاتل يقاسم أهل النار قسمة صحيحة العذاب عليه شطر عذابهم وقال ابن جرير حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة عن ابن إسحاق عن حكيم بن حكيم أنه حدث عن عبد الله بن عمرو أنه كان يقول إن أشقى الناس رجلا لابن آدم الذي قتل أخاه ماسفك دم في الأرض منذ قتل أخاه إلى يوم القيامة إلا لحق به منه شر وذلك أنه أول من سن القتل وقال إبراهيم النخعي مامن مقتول يقتل ظلما إلا كان على ابن آدم الأول والشيطان كفل منه ورواه ابن جرير أيضا وقوله تعالى « فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال ياويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين » قال السدي بإسناده المتقدم إلى الصحابة رضي الله عنهم لما مات الغلام تركه بالعراء لا يعلم كيف يدفن فبعث الله غرابين أخوين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه فحفر له ثم حثى عليه فلما رآه قال « ياويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي » وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال جاء غراب إلى غراب ميت فبحث عليه من التراب حتى واراه فقال الذي قتل أخاه « ياويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي » وقال الضحاك عن ابن عباس مكث يحمل أخاه في جراب على عاتقه سنة حتى بعث الله الغرابين فرآهما يبحثان فقال « أعجزت أن أكون مثل هذا الغرب » فدفن أخاه وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد كان يحمله على عاتقه مئة سنة ميتا لا يدري ما يصنع به يحمله ويضعه إلى الأرض حتى رأى الغراب يدفن الغراب فقال « ياويلتي أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي فأصبح من النادمين » رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وقال عطية العوفي لما قتله ندم فضمه إليه حتى أروح وعكفت عليه الطيور والسباع تنتظر متى يرمى به فتأكله رواه ابن جرير وروىمحمد بن إسحاق عن بعض أهل العلم بالكتاب الأول لما قتله سقط في يده أي ولم يدر كيف يواريه وذلك أنه كان فيما يزعمون أول قتيل في بني آدم وأول ميت « فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوأة أخيه قال ياويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوءة أخي فأصبح من النادمين » قال وزعم أهل التوراة أن قابيل لما قتل أخاه هابيل قال له الله عز وجل ياقابيل أين أخوك هابيل قال ما أدري ماكنت عليه رقيبا فقال الله إن صوت دم أخيك ليناديني من الأرض الآن أنت ملعون من الأرض التي فتحت فاها فتلقت دم أخيك من يدك فإن أنت عملت في الأرض فإنها لا تعود تعطيك حرثها حتى تكون فزعا تائها في الأرض وقوله « فأصبح من النادمين » قال الحسن البصري علاه الله بندامة بعد خسران فهذه أقوال المفسرين في هذه القصة وكلهم متفقون على أن هذين ابنا آدم لصلبه كما هو ظاهر القرآن وكما نطق به الحديث في قوله إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل وهذا ظاهر جلي ولكن قال ابن جرير حدثنا ابن وكيع حدثنا سهل بن يوسف عن عمرو عن الحسن هو البصري قال كان الرجلان اللذان قال الله « واتل عليهم نبأ ابني آدم بالحق » من بني إسرائيل ولم يكونا ابني آدم لصلبه وإنما كان القربان من بني إسرائوكان آدم أول من مات وهذا غريب جدا وفي إسناده نظر وقد قال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن ابني آدم عليه السلام ضربا لهذه الأمة مثلا فخذوا بالخير منهما ورواه المبارك عن عاصم الأحول عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلا فخذوا من خيرهم ودعوا شرهم وكذا أرسل الحديث بكير بن عبد الله المزني روى ذلك كله ابن جرير وقال سالم بن أبي الجعد لما قتل ابن آدم أخاه مكث آدم مئة سنة حزينا لا يضحك ثم أتى فقيل له حياك الله وبياك أي أضحكك رواه ابن جرير ثم قال حدثنا ابن حميد حدثنا سلمة عن غياث بن إبراهيم عن أبي إسحاق الهمداني قال قال علي بن أبي طالب لما قتل ابن آدم أخاه بكاه آدم فقال-تغيرت البلاد ومن عليها فلون الأرض مغبر قبيح**تغير كل ذي لون وطعم وقل بشاشة الوجه المليح-فأجيب آدم عليه الصلاة والسلام-أبا هابيل قد قتلا جميعا وصار الحي بالميت الذبيح**وجاء بشره قد كان منه على خوف فجاء بها يصيح-والظاهر أن قابيل عوجل بالعقوبة كما ذكره مجاهد وابن جبير أنه علقت ساقه بفخذه يوم القيامة وجعل الله وجهه إلى الشمس حيث دارت عقوبة له وتنكيلا به وقد ورد في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال مامن ذنب أجدر أن يعجل الله عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم وقد اجتمع في فعل قابيل هذا وهذا فإنا لله وإنا إليه راجعون
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:32 am | |
| 32-مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ
. انظر تفسير الآية 34
33-إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
. انظر تفسير الآية 34
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:34 am | |
| 34-إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
يقول تعالى من أجل قتل ابن آدم ظلما وعدوانا « كتبنا على بني إسرائيل » أي شرعنا لهم وأعلمناهم « أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا » أي من قتلنفسا بغير سبب من قصاص أو فساد في الأرض واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية فكأنما قتل الناس جميعا لأنه لافرق عنده بين نفس ونفس ومن أحياها أي حرم قتلها واعتقد ذلك فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الإعتبار ولهذا قال « فكأنما أحيا الناس جميعا » وقال الأعمش وغيره عن أبي صالح عن أبي هريرة قال دخلت على عثمان يوم الدار فقلت جئت لأنصرك وقد طاب الضرب يا أمير المؤمنين فقال يا أبا هريرة أيسرك أن تقتل الناس جميعا وإياي معهم قلت لا قال فإنك إن قتلت رجلا واحدا فكأنما قتلت الناس جميعا فانصرف مأذونا لك مأجورا غير مأزور فانصرفت ولم أقاتل وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس هو كما قال الله تعالى « من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا » وإحياؤها ألا يقتل نفسا حرمها الله فذلك الذي أحيا الناس جميعا يعني أنه من حرم قتلها إلا بحق حيي الناس منه وهكذا قال مجاهد ومن أحياها أي كف عن قتلها وقال العوفي عن ابن عباس في قوله فكأنما قتل الناس جميعا يقول من قتل نفسا واحدة حرمها الله فهو مثل من قتل الناس جميعا وقال سعيد بن جبير من استحل دم مسلم فكأنما استحل دماء الناس جميعا ومن حرم دم مسلم فكأنما حرم دماء الناس جميعا هذا قول وهو الأظهر وقال عكرمة والعوفي عن ابن عباس من قتل نبيا أو إمام عدل فكأنما قتل الناس جميعا ومن شد على عضد نبي أو إمام عدل فكأنما أحيا الناس جميعا رواه ابن جرير وقال مجاهد في رواية أخرى عنه من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا وذلك لأن من قتل النفس فله النار فهو كما لو قتل الناس كلهم قال ابن جريج عن الأعرج عن مجاهد في قوله فكأنما قتل الناس جميعا من قتل النفس المؤمنة متعمدا جعل الله جزاه جهنم وغضب عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما يقول لو قتل الناس جميعا لم يزد على مثل ذلك العذاب قال ابن جريج قال مجاهد ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا قال من لم يقتل أحدا فقد حيي الناس منه قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم من قتل نفسا فكأنما قتل الناس يعني فقد وجب عليه القصاص فلا فرق بين الواحد والجماعة ومن أحياها أي عفا عن قاتل وليه فكأنما أحيا الناس جميعا وحكى ذلك عن أبيه رواه ابن جرير وقال مجاهد في رواية ومن أحياها أي أنجاها من غرق أو حرق أو هلكة وقال الحسن وقتادة في قوله أنه من قتل نفسا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعا هذا تعظيم لتعاطي القتل قال قتادة عظيم والله وزرها وعظم والله أجرها وقال ابن المبارك عن سلام بن مسكين عن سليمان بن علي الربعي قال قلت للحسن هذه الآية لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل فقال أي والذي لا إله غيره كما كانت لبني إسرائيل وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا وقال الحسن البصري فكأنما قتل الناس جميعا قال وزورا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا قال أجرا وقال الإمام أحمد « 2/175 » حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال جاء حمزة بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله اجعلني على شيء أعيش به فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ياحمزة نفس تحييها أحب إليك أم نفس تميتها قال بل نفس أحييها قال عليك بنفسك قوله تعالى « ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات » أي بالحجج والبراهين والدلائل الواضحة « ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون » وهذا تفريع لهم وتوبيخ على ارتكابهم المحارم بعد علمهم بها كما كانت بنو قريظة والنظير وغيرهم من بني قينقاع ممن حول المدينة من اليهود كانوا يقاتلون مع الأوس والخزرج إذا وقعت بينهم الحروب في الجاهلية ثم إذا وضعت الحروب أوزارها قدموا من أسروه وودوا من قتلوه وقد أنكر الله عليهم ذلك في سورة البقرة حيث يقول « وإذ أخذنا ميثاقكم لا تسفكون دماءكم ولا تخرجون أنفسكم من دياركم ثم أقررتم وأنتم تشهدون ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم وتخرجون فريقا منكم من ديارهم تظاهارون عليهم بالإثم والعدوان وإن يأتوكم أسارى تفادوهم وهو محرم عليكم إخراجهم أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب وما الله بغافل عما تعملون » قوله « إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض » الآية المحاربة هي المضادة والمخالفة وهي صادقة على الكفر وعلى قطع الطريق وإخافة السبيل وكذا الإفساد في الأرضيطلق على أنواع من الشر حتى قال كثير من السلف منهم سعيد بن المسيب أن قبض الدراهم والدنانير من الإفساد في الأرض وقد قال الله تعالى « وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد » ثم قال بعضهم نزلت هذه الآية الكريمة في المشركين كما قال ابن جرير-أحكام المحاربين-حدثنا ابن حميد حدثنا يحيى بن واضح حدثنا الحسين بن واقد عن يزيد عن عكرمة والحسن البصري قالا « إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله » إلى « إن الله غفور رحيم » نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم من قبل أن تقدروا عليه لم يكن عليه سبيل وليست تحرز هذه الآية الرجل المسلم من الحد إن قتل أو أفسد في الأرض أو حارب الله ورسوله ثم لحق بالكفار قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد الذي أصاب رواه أبو داود « 4372 » والنسائي « 7/101 » من طريق عكرمة عن ابن عباس إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا نزلت في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدر عليه لم يمنعه ذلك أن يقام عليه الحد الذي أصابه وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله « إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا » الآية قال كان قوم من أهل الكتاب بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد وميثاق فنقضوا العهد وأفسدوا في الأرض فخير الله رسوله إن شاء أن يقتل وإن شاء أن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف رواه ابن جرير وروى شعبة عن منصور عن هلال بن يساف عن مصعب بن سعد عن أبيه قال نزلت في الحرورية « إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا » رواه ابن مردويه والصحيح أن هذه الآية عامة في المشركين وغيرهم ممن ارتكب هذه الصفات كما رواه البخاري « 233 » ومسلم « 1671 » من حديث أبي قلابة واسمه عبد الله بن زيد الجرمي البصري عن أنس بن مالك أن نفرا من عكل ثمانية قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعوه على الإسلام فاستوخموا المدينة وسقمت أجسامهم فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فقال ألا تخرجون مع راعينا في إبله فتصيبون من أبوالها وألبانها فقالوا بلى فخرجوا فشربوا من أبوالها وألبانها فصحوا فقتلوا الراعي وطردوا الإبل فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث في آثارهم فأدركوا فجيء بهم فأمر بهم فقطعت أيديهم وأرجلهم وسمرت أعينهم ثم نبذوا في الشمس حتى ماتوا لفظ مسلم وفي لفظ لهما عن عكل أو عرينة وفي لفظ وألقوا في الحرة فجعلوا يستسقون فلايسقون وفي لفظ لمسلم ولم يحسمهم وعند البخاري قال أبو قلابة فهؤلاء سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله رواه مسلم « 1671 » من طريق هشيم عن عبد العزيز بن صهيب وحميد عن أنس فذكر نحوه وعنده فارتدوا وقد أخرجاه « خ 5727 1671 » من رواية قتادة عن أنس بنحوه وقال سعيد عن قتادة من عكل وعرينة ورواه مسلم « 1671 » من طريق سليمان التيمي عن أنس قال إنما سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعين أولئك لأنهم سلموا أعين الرعاء ورواه مسلم « 1671 » من حديث معاوية بن قرة عن أنس قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفر من عرينة فأسلموا وبايعوه وقد وقع بالمدينة الدم وهو البرسام ثم ذكر نحو حديثهم وزاد عنده شباب من الأنصار قريب من عشرين فارسا فأرسلهم وبعث معهم قائفا يقفوا أثرهم وهذه كلها ألفاظ مسلم رحمه الله وقال حماد بن سلمة حدثنا قتادة وثابت البناني وحميد الطويل عن أنس بن مالك أن ناسا من عرينة قدموا المدينة فاجتووها فبعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في إبل الصدقة وأمرهم أن يشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصحوا فارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي وساقوا الإبل فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم فجيء بهم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمر أعينهم وألقاهم في الحرة قال أنس فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه عطشا حتى ماتوا ونزلت « إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله » الآية وقد رواه أبو داود « 4367 » والترمذي « 72 » والنسائي « 7/97 » وابن مردويه وهذا لفظه وقال الترمذي حسن صحيح وقد رواه ابن مردويه من طرق كثيرة عن أنس بن مالك منها مارواه من طريقين عن سلام بن أبي الصهباء عن ثابت عن أنس بن مالك قال ما ندمت على حديث ما ندمت على حديث سألني عنه الحجاج قال أخبرني عن أشد عقوبة عاقب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قلت قدم علي رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم عن عرينة منالبحرين فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مالقوا في بطونهم وقد اصفرت ألوانهم وضمرت بطونهم فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها حتى إذا رجعت إليهم ألوانهم وانخمصت بطونهم عمدوا إلى الراعي فقتلوه واستاقوا الإبل فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم ألقاهم في الرمضاء حتى ماتوا فكان الحجاج إذا صعد المنبر يقول إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قطع أيدي قوم وأرجلهم ثم ألقاهم في الرمضاء حتى ماتوا بحال ذود من الإبل فكان الحجاج يحتج بهذا الحديث على الناس وقال ابن جرير حدثنا علي بن سهل حدثنا الوليد يعني ابن مسلم حدثني سعيد عن قتادة عن أنس قال كانوا أربعة نفر من عرينة وثلاثة نفر من عكل فلما أتي بهم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم ولم يحسمهم وتركهم يلتقمون الحجارة بالحرة فأنزل الله في ذلك « إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله » الآية وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن حرب الموصلي حدثنا أبو مسعود يعني عبد الرحمن بن الحسن الزجاج حدثنا أبو سعد يعني البقال عن أنس بن مالك قال كان رهط من عرينة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وبهم جهد مصفرة ألوانهم عظيمة بطونهم فأمرهم أن يلحقوا بالإبل فيشربوا من أبوالها وألبانها ففعلوا فصفت ألوانهم وخمصت بطونهم وسمنوا فقتلوا الراعي واستاقوا الإبل فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في طلبهم فأتي بهم فقتل بعضهم وسمر أعين بعضهم وقطع أيدي بعضهم وأرجلهم ونزلت « إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله » إلى آخر الآية وقال أبو جعفر بن جرير حدثنا أبو علي بن سهل حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عبد الملك بن مروان كتب إلى أنس يسأله عن هذه الآية فكتب إليه أنس يخبره أن هذه الآية نزلت في أولئك النفر العرنيين وهم من بجلة قال أنس فارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي واستاقوا الإبل وأخافوا السبيل وأصابوا الفرج الحرام وقال حدثني يونس أخبرنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن أبي الزناد عن عبد الله بن عبيد الله عن عبد الله بن عمر أو عمرو شك يونس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك يعني بقصة العرنيين ونزلت فيهم آية المحاربة ورواه أبو داود « 4369 » والنسائي « 7/100 » من طريق أبي الزناد وفيه عن ابن عمر من غير شك وقال ابن جرير حدثنا محمد بن خلف حدثنا الحسن بن حماد عن عمرو بن هاشم عن موسى بن عبيدةعن محمد بن إبراهيم عن جرير قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من عرينة حفاة مضرورين فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما صحوا واشتدوا قتلوا رعاء اللقاح عامدين بها إلى أرض قومهم قال جرير فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في نفر من المسلمين حتى أدركناهم بعدما اشرفوا على بلاد قومهم فقدمنا بهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمل أعينهم فجعلوا يقولون الماء ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول النار حتى هلكوا قال وكره الله عز وجل سمل الأعين فأنزل هذه الآية « إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله » إلى آخر الآية هذا حديث غريب وفي إسناده الربذي وهو ضعيف وفي إسناده فائدة وهو ذكر أمير هذه السرية وهو جرير بن عبد الله البجلي وتقدم في صحيح مسلم أن هذه السرية كانوا عشرين فارسا من الأنصار وأما قوله فكره الله سمل الأعين فأنزل الله هذه الآية فإنه منكر وقد تقدم في صحيح مسلم أنهم سلموا أعين الرعاء فكان مافعل بهم قصاصا والله أعلم وقال عبد الرزاق « 18541 » عن إبراهيم بن محمد الأسلمي عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة قال قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجال من بني فزارة قد ماتوا هزلا فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى لقاحه فشربوا منها حتى صحوا ثم عمدوا إلى لقاحه فسرقوها فطلبوا فأتى بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم وقال أبو هريرة ففيهم نزلت هذه الآية « إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله » فترك النبي صلى الله عليه وسلم سمر الأعين بعد وروي من وجه آخر عن أبي هريرة وقال أبو بكر بن مردويه حدثنا أحمد بن إسحاق حدثنا الحسين بن إسحاق التستري حدثنا أبو القاسم محمد بن الوليد عن عمرو بن محمد المديني حدثنا محمد بن طلحة عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن سلمة بن الأكوع قال كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يقال له يسار فنظر إليه يحسنالصلاة فأعتقه وبعثه في لقاح له بالحرة فكان بها قال فأظهر قوم الإسلام من عرينة وجاؤا وهم مرضى موعوكون قد عظمت بطونهم قال فبعث بهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى يسار فكانوا يشربون من ألبان الإبل حتى انطوت بطونهم ثم عدوا على يسار فذبحوه وجعلوا الشوك في عينيه ثم أطردوا الإبل فبعث النبي صلى الله عليه وسلم في آثارهم خيلا من المسلمين كبيرهم كرز بن جابر الفهري فلحقهم فجاء بهم إليه فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم غريب جدا وقد روى قصة العرنيين من حديث جماعة من الصحابة منهم جابر وعائشة وغير واحد وقد اعتنى الحافظ الجليل أبو بكر ابن مردويه بتطريق هذا الحديث من وجوه كثيرة جدا فرحمه الله وأثابه وقال ابن جرير حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق سمعت أبي يقول سمعت أبا حمزة عن عبد الكريم وسئل أبو أبوال الإبل فقال حدثني سعيد بن جبير عن المحاربيين فقال كان أناس أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا نبايعك على الإسلام فبايعوه وهم كذبة وليس الإسلام يريدون ثم قالوا إنا نجتوي المدينة فقال النبي صلى الله عليه وسلم هذه اللقاح تغدو عليكم وتروح فاشربوا من أبوالها وألبانها قال فبينما هم كذلك إذ جاءهم الصريخ فصرخ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال قتلوا الراعي واستاقوا النعم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فنودي في الناس أن يا خيل الله اركبي قال فركبوا لا ينتظر فارس فارسا قال وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثرهم فلم يزالوا يطلبونهم حتى أدخلوهم مأمنهم فرجع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أسروا منهم فأتوا بهم النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله « إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله » الآية قال فكان نفيهم أن نفوهم حتى أدخلوهم مأمنهم وأرضهم ونفوهم من أرض المسلمين وقتل نبي الله صلى الله عليه وسلم منهم وصلب وقطع وسمر الأعين قال فما مثل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ولا بعد قال ونهى عن المثلة وقال ولا تمثلوا بشيء قال وكان أنس يقول ذلك غير أنه قال أحرقهم بالنار بعد ما قتلهم قال وبعضهم يقول هم ناس من بني سليم ومنهم عرينة ناس من بجيلة وقد اختلف الأئمة في حكم هؤلاء العرنيين هل هو منسوخ أو محكم فقال بعضهم هو منسوخ بهذه الآية وزعموا إن فيها عتابا للنبي صلى الله عليه وسلم كما في قوله « عفا الله عنك لم أذنت لهم » ومنهم من قال هو منسوخ بنهي النبي صلى الله عليه وسلم على المثلة وهذا القول فيه نظر ثم قائله مطالب ببيان تأخر الناسخ الذي ادعاهعن المنسوخ وقال بعضهم كان هذا قبل أن تنزل الحدود قاله محمد بن سيرين وفيه نظر فإنه قصته متأخرة وفي راوية جرير بن عبد الله لقصتهم ما يدل على تأخرها فإنه أسلم بعد نزول المائدة ومنهم من قال لم يسمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم وإنما عزم على ذلك حتى نزل القرآن فبين حكم المحاربين وهذا القول أيضا فيه نظر فإنه قد تقدم في الحديث المتفق عليه أنه سمل وفي رواية سمر أعينهم وقال ابن جرير حدثنا علي بن سهل حدثنا الوليد بن مسلم قال ذاكرت الليث بن سعد ما كان من سمل النبي صلى الله عليه وسلم أعينهم وتركه حسمهم حتى ماتوا فقال سمعت محمد بن عجلان يقول أنزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم معاتبة في ذلك وعلمه عقوبة مثلهم من القتل والقطع والنفي ولم يسمل بعدهم غيرهم قال وكان هذا القول ذكر لأبي عمرو يعني الأوزاعي فأنكر أن يكون نزلت معاتبة وقال بل كانت عقوبة أولئك النفر بأعيانهم ثم نزلت هذه الآية في عقوبة غيرهم ممن حارب بعدهم ورفع عنهم السمل ثم قد احتج بعموم هذه الأية جمهور العلماء في ذهابهم إلى حكم المحاربة في الأمصار وفي السبلان على السواء لقوله « ويسعون في الأرض فسادا » وهذا مذهب مالك والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد بن حنبل حتى قال مالك في الذي يغتال الرجل فيخدعه حتى يدخله بيتا فيقتله وبأخذ مامعه أن هذه محاربة ودمه إلى السلطان لا إلى ولي المقتول ولا اعتبار بعفوه عنه في إنفاذ القتل وقال أبو حنيفة وأصحابه لا تكون المحاربة إلا في الطرقات فأما في الأمصار فلا لأنه يلحقه الغوث إذا استغاث بخلاف الطريق لبعده ممن يغيثه ويعينه-وقوله تعالى « أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض » قال ابن أبي طلحة عن ابن عباس في الآية من شهر السلاح في قبة الإسلام وأخاف السبيل ثم ظفر به وقدر عليه فإمام المسلمين فيه بالخيار إن شاء قتله وإن شاء صلبه وإن شاء قطع يده ورجله وكذا قال سعيد بن المسيب ومجاهد وعطاء والحسن البصري وإبراهيم النخعي والضحاك وروى ذلك كلهأبو جعفر ابن جرير وحكى مثله عن مالك بن أنس رحمه الله ومستند هذا القول أن ظاهرا وللتخيير كما في نظائر ذلك من القرآن كقوله في جزاء الصيد « فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما » وكقوله في كفارة الفدية « فمن كان منكم مرضا أو به من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك » وكقوله في كفارة اليمين « فإطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة » هذه كلها على التخيير فكذلك فلتمكن هذه الآية وقال الجمهور هذه الآية منزلة على أحوال كما قال أبو عبد الله الشافعي أنبأنا إبراهيم بن أبي يحيى عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس في قطاع الطريق إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال نفوا من الأرض وقد رواه ابن أبي شيبة عن عبد الرحيم بن سليمان عن حجاج بن عطية عن ابن عباس بنحوه وعن أبي مجلز وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والسدي وعطاء الخرساني ونحو ذلك وهكذا قال غير واحد من السلف والأئمة واختلفوا هل يصلب حيا ويترك حتى يموت بمنعه من الطعام والشراب أو يقتله برمح أو نحوه أو يقتل أولا ثم يصلب تنكيلا وتشديدا لغيره من المفسدين وهل يصلب ثلاثة أيام ثم ينزل أو يترك حتى يسيل صديده في ذلك كله خلاف محرر في موضعه وبالله الثقة وعليه التكلان ويشهد لهذا التفصيل الحديث الذي رواه ابن جرير في تفسيره إن صح سنده فقال حدثنا علي بن سهل حدثنا الوليد بن مسلم عن ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب أن عبد الملك بن المروان كتب إلى أنس بن مالك يسأله عن هذه الآية فكتب إليه يخبره أنها نزلت في أولئك النفر العرنيين وهم من بجيلة قال أنس فارتدوا عن الإسلام وقتلوا الراعي واستاقوا الإبل وأخافوا السبيل وأصابوا الفرج الحرام قال أنس فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم جبرائيل عليه السلام عن القضاء فيمن حارب فقال من سرق مالا وأخاف السبيل فاقطع يده بسرقته ورجله بإخافته ومن قتل فاقتله ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج الحرام فاصلبه وأما قوله تعالى « أو ينفوا من الأرض » قال بعضهم هو أن يطلب حتى يقدر عليه فيقام عليه الحد أو يهرب من دار الإسلام رواه ابن جرير عن ابن عباس وأنس بن مالك وسعيد بن جبير والضحاك والربيع بن أنس والزهري واليث بن سعد ومالك بن أنس وقال آخرون هوأن ينفى من بلده إلى بلد آخر أو يخرجه السلطان أو نائبه من معاملته بالكلية وقال الشعبي ينفيه كما قال ابن هبيرة من عمله كله وقال عطاء الخرساني ينفى من جند إلى جند سنين ولا يخرج من دار الإسلام وكذا قال سعيد بن جبير وأبو الشعثاء والحسن والزهري والضحاك ومقاتل بن حيان أنه ينفى ولايخرج من أرض الإسلام وقال آخرون المراد بالنفي ها هنا السجن وهو قول أبي حنيفة وأصحابه واختار ابن جرير أن المراد بالنفي ها هنا أن يخرج من بلده إلى بلد آخر فيسجن فيه وقوله تعالى « ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم » اي هذا الذي ذكرته من قتلهم ومن صلبهم وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ونفيهم خزي لهم بين الناس في هذه الحياة الدنيا مع ماادخر الله لهم من العذاب العظيم يوم القيامة وهذا يؤيد قول من قال إنها نزلت في المشركين فأما أهل الإسلام ففي صحيح مسلم « خ 18 م 1709 » عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخذ على النساء ألا نشرك بالله شيئا ولا نسرق ولا نزني ولا نقتل أولادنا ولا يعضه بعضنا بعضا فمن وفى منكم فأجره على الله تعالى ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب فهو كفارة له ومن ستره الله فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه وعن علي قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أذنب ذنبا في الدنيا فعوقب به فالله أعدل من أن يثني عقوبته على عبده ومن أذنب ذنبا في الدنيا فستره الله عليه وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود عليه في شيء فقد عفا عنه رواه الإمام أحمد « 1/99 » والترمذي « 2626 » وابن ماجة « 2604 » وقال الترمذي حسن غريب وقد سئل الحافظ الدارقطني عن هذا الحديث فقال روي مرفوعا وموقوفا قال ورفعه صحيح وقال ابن جرير في قوله « ذلك لهم خزي في الدنيا » يعني شر وعار ونكال وذلة وعقوبة في عاجل الدنيا قبل الآخرة « ولهم في الآخرة عذاب عظيم » أي إذا لم يتوبوا من فعلهم ذلك حتى هلكوا في الآخرة مع الجزاء الذيجازيتهم به في الدنيا والعقوبة التي عاقبتهم بها في الدنيا عذاب عظيم يعني عذاب جهنم وقوله تعالى « إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم » أما على قوله من قال إنها في أهل الشرك فظاهر وأما المحاربون المسلمون فإذا تابوا قبل القدرة عليهم فإنه يسقط عنهم إنتحام القتل والصلب وقطع الرجل وهل يسقط قطع اليد أم لا فيه قولان للعلماء وظاهر الآية يقتضي سقوط الجميع وعليه عمل الصحابة كما قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو أسامة عن مجالد عن الشعبي قال كان حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة وكان قد أفسد في الأرض وحارب فكلم رجالا من قريش منهم الحسن بن علي وابن عباس وعبد الله بن جعفر فكلموا عليا فيه فلم يؤمنه فأتى سعيد بن قيس الهمداني فخلفه في داره ثم أتى عليا فقال يا أمير المؤمنين من حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا فقرأ حتى بلغ « إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم » قال فكتب له أمانا قال سعيد بن قيس فإنه جارية ابن بدر وكذا رواه ابن جرير من غير وجه عن مجالد عن الشعبي به وزاد فقال حارثة بن بدر-ألا بلغن همدان أما لقيتها على النأي لا يسلم عدو يعيبها**لعمر أبيها إن همدان تتقي الإ له ويقضي بالكتاب خطيبها-وروى ابن جرير من طريق سفيان الثوري عن السدي ومن طريق أشعث كلاهما عن عامر الشعبي قال جاء رجل من مراد إلى أبي موسى وهو على الكوفة إمارة عثمان رضي الله عنه بعدما صلى المكتوبة فقال يا أبا موسى هذا مقام العائذ بك أنا فلان ابن فلان المرادي وإني كنت حاربت الله ورسوله وسعيت في الأرض فسادا وإني أتيت من قبل أن تقدروا علي فقال أبو موسى فقال إن هذا فلان ابن فلان وإنه كان حارب الله ورسوله وسعى في الأرض فسادا وإنه تاب من قبل أن نقدر عليه فمن لقيه فلا يعرض له إلا بخير فإن يك صادقا فسبيل من صدق وإن يك كاذبا تدركه ذنوبه فأقام الرجل ما شاء الله ثم إنه خرج فأدركه الله تعالى بذنوبه فقتله ثم قال ابن جرير حدثني علي حدثنا الوليد بن مسلم قال قال الليث وكذلك حدثني موسى بن إسحاق المدني وهو الأمير عندنا أن عليا الأسدي حارب وأخاف السبيل وأصاب الدم والمال فطلبه الأئمة والعامة فامتنع ولم يقدروا عليه حتى جاء تائبا وذلك أنه سمع رجلا يقرأ هذه الآية « ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم » فوقف عليه فقال ياعبد الله أعد قرائتها فأعادها عليه فغمد سيفه ثم جاء تائبا حتى قدم المدينة من السحر فاغتسل ثم أتى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى الصبح ثم قعد إلى أبي هريرة في أغمار أصحابه فلما أسفروا عرفه الناس فقاموا إليه فقال لاسبيل لكم علي جئت تائبا من قبل أن تقدروا علي فقال أبو هريرة صدق وأخذ بيده حتى أتى مروان بن الحكم وهو أمير على المدينة في زمن معاوية فقال هذا علي جاء تائبا ولا سبيل لكم عليه ولاقتل فترك من ذلك كله قال وخرج علي تائبا مجاهدا في سبيل الله في البحر فلقوا الروم فقرنوا سفينة إلى سفنهم فاقتحم على الروم في سفينتهم فهربوا منه إلى شقها الآخر فمالت به وبهم فغرقوا جميعا
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:37 am | |
| 35-يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
. انظر تفسير الآية 37
36-إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
. انظر تفسير الآية 37
37-يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ
يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بتقواه وهي إذا قرنت بطاعته كان المراد بها الإنكفاف عن المحارم وترك المنهيات وقد قال بعدها « وابتغوا إليه الوسيلة » قال سفيان الثوري عن طلحة عن عطاء عن أبن عباس أي القربة وكذا قال مجاهد وأبو وائل والحسن وقتادة وعبد الله بن كثير والسدي وابن زيد وغير واحد وقال قتادة أي تقربوا اليه بطاعته والعمل بما يرضيه وقرأ ابن زيد « أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة » وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة لاخلاف بين المفسرين فيه وأنشد عليه ابن جرير قول الشاعرإذا غفل الواشون عندنا لوصلنا وعاد التصافي بيننا والوسائل-والوسيلة هي التي يتوصل بها إلى تحصيل المقصود والوسيلة أيضا علم علي أعلى منزلة في الجنة وهي منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وداره في الجنة وهي أقرب أمكنة الجنة إلى العرش وقد ثبت في صحيح البخاري « 614 » من طريق محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته إلا ماحلت له الشفاعة يوم القيامة « حديث آخر » في صحيح مسلم « 384 » من حديث كعب بن علقمة عن عبد الرحمن بن جبير عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى الله عليه عشرا ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله وأرجوا أن أكون أنا هو فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة « حديث آخر » قال الإمام أحمد « 2/265 » حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن ليث عن كعب عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إذا صليتم علي فسلوا لي الوسيلة قيل يا رسول الله وما الوسيلة قال أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا هو رواه الترمذي « 3612 » عن بندار عن أبي عاصم عن سفيان الثوري عن ليث بن أبي سليم عن كعب قال حدثني أبو هريرة به ثم قال غريب وكعب ليس بمعروف لا نعرف أحدا روى عنه غير ليث بن أبي سليم « حديث آخر » عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أبو بكر بن مردويه حدثنا عبد الباقي بن قانع حدثنا محمد بن نصر الترمذي حدثنا عبد الحميد بن صالح حدثنا ابن شهاب عن ليث عن المعلى عن محمد بن كعب عن أبي هريرة رفعه قال صلوا علي صلاتكم وسلوا الله لي الوسيلة فسألوه أو أخبرهم أن الوسيلة هي درجة في الجنة ليس ينالها إلا رجل واحد وأرجو أن أكون أنا « حديث آخر » قال الحافظ أبو القاسم الطبراني « أوسط 637 » أخبرنا أحمد بن علي الأبار حدثنا الوليد بن عبد الملك الحراني حدثنا موسى بن أعين عن ابن أبي ذئب عن محمد بن عمرو بن عطاء عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سلوا الله لي الوسيلة فإنه لم يسألها لي عبد في الدنيا إلا كنت شهيدا أو شفيعا يوم القيامة ثم قال الطبراني لم يروه عن ابن أبي ذئب إلا موسي بن أعين كذا قال وقد رواه ابن مردويه حدثنا محمد بن علي بن دحيم حدثنا أحمد بن حازم حدثنا عبيد الله بن موسى حدثنا موسى بن عبيدة عن محمد بن عمرو بن عطاء فذكر بإسناده نحوه « حديث آخر » روى ابن مردويه بإسناده عن عمارة بن غزية عن موسى بن وردان أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول قال رسول الله عليه وسلم إن الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة على خلقه « حديث آخر » روى ابن مردويه أيضا من طريقين عن عبد الحميد بن بحر حدثنا شريك عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الجنة درجة تدعى الوسيلة فإذا سألتم الله فسلوا لي الوسيلة قالوا يا رسول الله من يسكن معك قال علي وفاطمة والحسن والحسين هذا حديث غريب منكر من هذا الوجه وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا الحسن الدشتكي حدثنا أبو زهير حدثنا سعيد بن طريف عن علي بن الحسين الأزدي مولى سالم بن ثوبان قال سمعت علي بن أبي طالب ينادي على منبر الكوفة يا أيها الناس إن في الجنة لؤلؤتين إحداهما بيضاء والأخرى صفراء أما الصفراء فإنها إلى بطنان العرش والمقام المحمود من اللؤلؤة البيضاء سبعون ألف غرفة كل بيت منها ثلاثة أميال وغرفها وأبوابها وأسترها وسكانها من عرق واحد واسمها الوسيلة هي لمحمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته والصفراء فيها مثل ذلك هي لإبراهيم عليه السلام وأهل بيته وهذا أثر غريب أيضا وقوله « وجاهدوا في سبيله لعلكم تفلحون » لما أمرهم بترك المحارم وفعل الطاعات أمرهم بقتال الأعداء من الكفار والمشركين الخارجين عن الطريق المستقيم والتاركين للدين القويم ورغبهم في ذلك بالذي أعده للمجاهدين في سبيله يوم القيامة من الفلاح والسعادة العظيمة الخالدة المستمرة التي لا تبيد ولا تحول ولا تزول في الغرف العالية الرفيعة الآمنة الحسنة مناظرها الطيبة مساكنها التي من سكنها ينعم لا يبأس ويحيى لا يموت لا تبلى ثيابه ولا يفنىشبابه ثم أخبر تعالى بما أعد لأعدائه الكفار من العذاب والنكال يوم القيامة فقال « إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم » أي لو أن أحدهم جاء يوم القيامة بملء الأرض ذهبا وبمثله ليفتدي بذلك من عذاب الله الذي قد أحاط به وتيقن وصوله إليه ما تقبل ذلك منه بل لامندوحة عنه ولا محيص له ولا مناص ولذا قال « ولهم عذاب أليم » أي موجع « يريدون أن يخرجوا من النار وماهم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم » كما قال تعالى « كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها » الآية فلا يزالون يريدون الخروج مما هم فيه من شدته وأليم مسه ولا سبيل لهم إلى ذلك وكلما رفعهم اللهب فصاروا في أعلى جهنم ضربتهم الزبانية بالمقامع الحديد فيردوهم إلى أسفلها « ولهم عذاب مقيم » أي دائم مستمر لاخروج لهم منها ولا محيد لهم عنها وقد قال حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بالرجل من أهل النار فيقال له يا ابن آدم كيف وجدت مضجعك فيقول شر مضجع فيقال هل تفتدي بقراب الأرض ذهبا قال فيقول نعم يارب فيقول الله تعالى كذبت قد سألتك أقل من ذلك فلم تفعل فيؤمر به إلى النار رواه مسلم والنسائي من طريق حماد بن سلمة بنحوه وكذا رواه البخاري « 6538 » ومسلم « 2805 » من طريق معاذ بن هشام الدستوائي عن أبيه عن قتادة عن أنس به وكذا أخرجاه « خ 3334 م 2805 » من طريق أبي عمران الجوني واسمه عبد الملك بن حبيب عن أنس بن مالك به ورواه مطر الوراق عن أنس ابن مالك ورواه ابن مردويه من طريقه عنه ثم روى ابن مردويه من طريق المسعودي عن يزيد بن صهيب الفقير عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يخرج من النار قوم فيدخلون الجنة قال فقلت لجابر ابن عبد الله يقول الله « يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها » قال اتل أول الآية « إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به » الآية ألا إنهم الذين كفروا وقد روى الإمام أحمد « 3/355 » ومسلم « 191 » هذا الحديث من وجه آخر عن يزيد الفقير عن جابر وهذا أبسط سياقا وقال ابن أبي حاتم حدثنا الحسين بن محمد بن شنبة الواسطي حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا مبارك بن فضالة حدثني يزيد الفقير قال جلست إلى جابر بن عبد الله وهو يحدث فحدث أن ناسا يخرجون من النار قال وأنا يومئذ أنكر ذلك فغضبت وقلت ما أعجب من الناس ولكن أعجب أعجب منكمياصاحب محمد تزعمون أن الله يخرج ناسا من النار والله يقول « يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها » الآية فانتهرني أصحابه وكان أحلمهم فقال دعوا الرجل إنما ذلك للكفار فقرأ « إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة » حتى بلغ « ولهم عذاب مقيم » أما تقرأ القرآن قلت بلى قد جمعته قال أليس الله يقول « ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا » فهو ذلك المقام فإن الله تعالى يحتبس أقواما بخطاياهم في النار ما شاء لا يكلمهم فإذا أراد أن يخرجهم أخرجهم قال فلم أعد بعد ذلك إلى أن أكذب به ثم قال ابن مردويه حدثنا دعلج بن أحمد حدثنا عمر بن حفص السدوسي حدثنا عاصم بن علي أخبرنا العباس بن الفضل حدثنا سعيد بن المهلب حدثني طلق بن حبيب قال كنت من أشد الناس تكذيبا بالشفاعة حتى لقيت جابر بن عبد الله فقرأت عليه كل آية أقدر عليها يذكر الله فيها خلود أهل النار فقال ياطلق أتراك أقرأ لكتاب الله وأعلم بسنة رسول الله مني إن الذين قرأت هم أهلها هم المشركون ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوبا فعذبوا ثم أخرجوا منها ثم أهوى بيده إلى أذنيه فقال صمتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يخرجون من النار بعد مادخلوا ونحن نقرأ كما قرأت
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:39 am | |
| 38-وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ
. انظر تفسير الآية 40
39-فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ
. انظر تفسير الآية 40
40-أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
يقول تعالى حاكما وآمرا بقطع يد السارق والسارقة وروى الثوري عن جابر بن يزيد الجعفي عن عامر بن شراحيل الشعبيأن ابن مسعود كان يقرؤها « والسارق والسارقة فاقطعوا أيمانهما » وهذه قراءة شاذة وإن كان الحكم عند جميع العلماء موافقا لها لا بها بل هو مستفاد من دليل آخر وقد كان القطع معمولا به في الجاهلية فقرر في الإسلام وزيدت شروط أخر كما سنذكره إن شاء الله تعالى كما كانت القسامة والدية والقراض وغير ذلك من الأشياء التي ورد الشرع بتقديرها على ماكانت عليه وزيادات هي من تمام المصالح ويقال إن أول من قطع الأيدي في الجاهلية قريش قطعوا رجلا يقال له دويك مولى لبني مليح بن عمرو من خزاعة كان قد سرق كنز الكعبة ويقال سرقه قوم فوضعوه عنده-حد السرقة-وقد ذهب بعض الفقهاء من أهل الظاهر إلى أنه متى سرق السارق شيئا قطعت يده به سواء كان قليلا أو كثيرا لعموم هذه الآية « والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما » فلم يعتبروا نصابا ولا حرزا بل أخذوا بمجرد السرقة وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق عبد المؤمن عن نجدة الحنفي قال سألت ابن عباس عن قوله « والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما » أخاص أم عام فقال بل عام وهذا يحتمل أن يكون موافقة من ابن عباس لما ذهب إليه هؤلاء ويحتمل غير ذلك فالله أعلم وتمسكوا بما ثبت في الصحيحين « خ 6883 م 1687 » عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده وأما الجمهور فاعتبروا النصاب في السرقة وإن كان قد وقع بينهم الخلاف في قدره فذهب كل من الأئمة الأربعة إلى قول على حدة فعند الإمام مالك بن أنس رحمه الله النصاب ثلاثة دراهم مضروبة خالصة فمتى سرقها أو ما يبلغ ثمنها فما فوقه وجب القطع واحتج في ذلك بما رواه عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم أخرجاه في الصحيحين « خ 6795 م 1686 » قال مالك رحمه الله « 2/832 » وقطع عثمان رضي الله عنه في أترجة قومت بثلاثة دراهم وهو أحب ما سمعت في ذلك وهذا الأثر عن عثمان رضي الله عنه قد رواه مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرة بنت عبد الرحمن أن سارقا سرق في زمن عثمان أترجة فأمر بها عثمان أن تقوم فقومت بثلاثة دراهم صرف اثني عشر درهما فقطع عثمان يده فقال أصحاب مالك ومثل هذا الصنيع يشتهر ولم ينكر فمن مثله يحكى الإجماع السكوتي وفيه دلالة على القطع في الثمار خلافا للحنفية وعلى اعتبار ثلاثة دراهم خلافا لهم في أنه لابد من عشرة دراهم وللشافعية في اعتبار ربع دينار والله أعلم وذهب الشافعي رحمه الله إلى أن الإعتبار في قطع يد السارق بربع دينار أو ما يساويه من الأثمان أو العروض فصاعدا أو الحجة في ذلك ما أخرجه الشيخان البخاري « 6789 » ومسلم « 1684 » من طريق الزهري عن عمرة عن عائشة رضي الله الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا ولمسلم « 1684 » من طريق أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا قال أصحابنا فهذا الحديث فاصل في المسألة ونص في اعتبار ربع دينار لا ما ساواه وقال وحديث ثمن المجن وأنه كان ثلاثة دراهم لا ينافي هذا لأنه إذ ذاك كان الدينار باثني عشر درهما فهي ثمن ربع دينار فأمكن الجمع بهذا الطريق ويروى هذا المذهب عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم وبه يقول عمر بن عبد العزيز والليث بن سعد والأوزاعي والشافعي وأصحابه وإسحاق بن راهويه في رواية عنه وأبو ثور وداود بن علي الظاهري رحمهم الله وذهب الإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه في رواية عنه إلى أن كل واحد من ربع دينار والثلاثة دراهم مرد شرعي فمن سرق واحدا منهما أو يساويه قطع عملا بحديث ابن عمر وبحديث عائشة رضي الله عنها ووقع في لفظ عند الإمام أحمد « 6/80 » عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال اقطعوا في ربع دينار ولاتقطعوا فيما هو أدنى من ذلك وكان الربع دينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار اثني عشر درهما وفي لفظ النسائي « 8/80 » لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن قيل لعائشة ماثمن المجن قالت ربع دينار فهذه كلها نصوص دالة على عدم اشتراط عشرة دراهم والله أعلم وأما الإمام أبو حنيفة وأصحابه وأبو يوسف ومحمد وزفر وكذا سفيان الثوري رحمهم الله فإنهم ذهبوا إلى أن النصاب عشرة دراهم مضروبة غير مغشوشة واحتجوا بأن ثمن المجن الذي قطع فيه السارق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ثمنه عشرة دراهم وقد روى أبو بكر بن أبي شيبة « 9/474 » حدثنا ابن نمير وعبد الأعلى حدثنا محمد بن إسحاق عنأيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال كان ثمن المجن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم عشرة دراهم ثم قال « 9/474 » حدثنا عبد الأعلى عن محمد بن إسحاق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقطع يد السارق في دون ثمن المجن وكان ثمن المجن عشرة دراهم قالوا فهذا ابن عباس وعبد الله بن عمرو قد خالفا ابن عمر في ثمن المجن فالاحتياط الأخذ بالأكثر لأن الحدود تدرأ بالشبهات وذهب بعض السلف إلى أنه تقطع يد السارق في عشرة دراهم أو دينار أو ما يبلغ قيمته واحدا منهما يحكى هذا عن علي وابن مسعود وإبراهيم النخعي وأبي جعفر الباقر رحمهم الله تعالى وقال بعض السلف لا تقطع الخمس إلا في خمس أي في خمسة دنانير أو خمسين درهما وينقل هذا عن سعيد بن جبير رحمه الله وقد أجاب الجمهور عما تمسك به الظاهرية من حديث أبي هريرة يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده بأجوبة « أحدها » أنه منسوخ بحديث عائشة وفي هذا نظر لأنه لابد من بيان التاريخ « والثاني » أنه مؤول بيضة الحديد وحبل السفن قاله الأعمش فيما حكاه البخاري « 6783 » وغيره عنه « والثالث » أنه هذه وسيلة إلى التدرج في السرقة من القليل إلى الكثير الذي تقطع فيه يده ويحتمل أن يكون هذا خرج مخرج الإخبار عما كان الأمر عليه في الجاهلية حيث كانوا يقطعون في القليل والكثير فلعن السارق الذي يبذل يده الثمينة في الأشياء المهينة وقد ذكروا أن أبا العلاء المعري لما قدم بغداد اشتهر عنه أنه أورد إشكالا على الفقهاء في جعلهم نصاب السرقة ربع دينار ونظم في ذلك شعرا دل على جهله وقلة عقله فقال-يد بخمس مئين عسجد وديت مابالها قطعت في ربع دينار**تناقض مالنا إلا السكوت له وأن نعوذ بمولانا من النار-ولما قال ذلك واشتهر عنه تطلبه الفقهاء فهرب منهم وقد أجابه الناس في ذلك فكان جواب القاضي عبد الوهاب المالكي رحمه الله أن قال لما كانت أمينة كانت ثمينة ولما خانت هانت ومنهم من قال هذا من تمام الحكمة والمصلحة وأسرار الشريعة العظيمة فإن في باب الجنايات ناسب أن تعظم قيمة اليد بخمس مئة دينار لئلا يجني عليها وفي باب السرقة ناسب أن يكون القدر الذي تقطع فيه ربع دينار لئلا يسارع الناس في سرقة الأموال فهذا هو عين الحكمة عند ذوي الألباب ولهذا قال « جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم » أي مجازاة على صنيعهما السيئ في أخذهما أموال الناس بأيديهم فناسب أن يقطع مااستعانا به في ذلك نكالا من الله أي تنكيلا من الله بهما على ارتكاب ذلك « والله عزيز » أي في انتقامه « حكيم » أي في أمره ونهيه وشرعه وقدره-ثم قال تعالى « فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم » أي من تاب بعد سرقته وأناب إلى الله فإن الله يتوب عليه فيما بينه وبينه فأما أموال الناس فلا بد من ردها إليهم أو بدلها عند الجمهور وقال أبو حنيفة متى قطع وقد تلفت في يده فإنه لا يرد بدلها وقد روى الحافظ أبو الحسن الدارقطني من حديث عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بسارق قد سرق شملة فقال ما أخاله سرق فقال السارق بلى يا رسول الله قال اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه ثم ائتوتي به فقطع فأتى به فقال تب إلى الله فقال تبت إلى الله فقال تاب الله عليك وقد روي من وجه آخر مرسلا ورجح إرساله علي بن المديني وابن خزيمة رحمهما الله وروى « 2588 » ابن ماجة من حديث ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن عبد الرحمن بن ثعلبة الأنصاري عن أبيه أن عمرو بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني سرقت جملا لبني فلان فطهرني فأرسل إليهم النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا إنا افتقدنا جملا لنا فأمر به فقطعت يده وهو يقول الحمد لله الذي طهرني منك أردت أن تدخلي جسدي النار وقال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا موسى بن داود حدثنا ابن لهيعة عن حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال سرقت امرأة حليا فجاء الذين سرقتهم فقالوا يا رسول الله سرقتنا هذه المرأة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إقطعوا يدها اليمنى فقالت المرأة هل من توبة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك قال فأنزل الله عز وجل « فمن تاب بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم » وقد رواه الإمام أحمد « 2/177 » بأبسط من هذافقال حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بها الذين سرقتهم فقالوا يا رسول الله إن هذه المرأة سرقتنا قال قومها فنحن نفديها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إقطعوا يدها فقالوا نحن نفديها بخمس مئة دينار فقال اقطعوا يدها فقطعت يدها اليمنى فقالت المرأة هل لي من توبة يا رسول الله قال نعم أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك فأنزل الله في سورة المائدة « فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم » وهذه المرأة هي المخزومية التي سرقت وحديثها ثابت في الصحيحين « خ 3475 م 1688 » من رواية الزهري عن عروة عن عائشة أن قريشا أهمهم شأن المرأة التي سرقت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الفتح فقالوا من يكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا ومن يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فيها أسامة بن زيد فتلون وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتشفع في حد من حدود الله عز وجل فقال له أسامة استغفر لي يا رسول الله فلما كان العشي قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختطب فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ثم أمر بتلك المرأة التي سرقت فقطعت يدها قالت عائشة فحسنت توبتها بعد وتزوجت وكانت تأتي بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا لفظ مسلم وفي لفظ له « 1688 » عن عائشة قالت كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها وعن ابن عمر قال كانت امرأة مخزومية تستعير متاعا على ألسنة جاراتها وتجحده فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع يدها رواه الإمام أحمد « 2/151 » وأبو داود « 4395 » والنسائي « 8/71 » وهذا لفظه وفي لفظ له أن امرأة كانت تستعير الحلي للناس ثم تمسكه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لتتب هذه المرأة إلى الله والى رسوله وترد ما تأخذه على القوم ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قم يابلال فخذ بيدها فاقطعها وقد ورد في أحكام السرقة أحاديث كثيرة مذكورة في كتاب الأحكام ولله الحمد والمنة ثم قال تعالى « ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض » أي هو المالك لجميع ذلك الحاكم فيه الذي لامعقب لحكمه وهو الفعال لما يريد « يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء والله على كل شيء قدير »
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:42 am | |
| 41-يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَـذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ
. انظر تفسير الآية 44
42-سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ
. انظر تفسير الآية 44
43-وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ
. انظر تفسير الآية 44
44-إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ
نزلت هذه الآيات الكريمات في المسارعين في الكفر الخارجين عن طاعة الله ورسوله المقدمين آراءهم وأهواءهم على شرائع الله عز وجل « من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم » أي أظهروا الإيمان بألسنتهم وقلوبهم خراب خاوية منه هؤلاء هم المنافقون « من الذين هادوا » أعداء الأسلام وأهله وهؤلاء كلهم « سماعون للكذب » أي مستجيبون له منفعلون عنه « سماعون لقوم آخرين يأتوك » أي يستجيبون لأقوام آخرين لا يأتون مجلسك يامحمد وقيل المراد أنهم يتسمعون الكلام وينهونه إلى قوم آخرين ممن لا يحضر عندك من أعدائك « يحرفون الكلم من بعد مواضعه » أي يتأولونه على غير تأويله ويبدلونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون « يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا » قيل نزلت في أقوام من اليهود قتلوا قتيلا وقالوا تعالوا حتى نتحاكم إلى محمد فإن حكم بالدية فاقبلوه وإن حكم بالقصاص فلا تسمعوا منه والصحيح أنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا وكانوا قد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم من الأمر برجم من أحصن منهم فحرفوه واصطلحوا فيما بينهم على الجلد مئة جلدة والتحميم والإركاب على حمارين مقلوبين فلما وقعت تلك الكائنة بعد الهجرة قالوا فيما بينهم تعالوا حتى نتحاكم إليه فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه واجعلوه حجة بينكم وبين الله ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم بينكم بذلك وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه في ذلك « م 1700 » وقد وردت الأحاديث بذلك فقال مالك « 2/819 » عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن اليهود جاؤا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما تجدون في التوراة في شأن الرجم فقالوا نفضحهم ويجلدون قال عبد الله بن سلام كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام إرفع يدك فرفع يده فإذا آية الرجم فقالوا صدق يامحمد فيها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما فرأيت الرجل يحني على المرأة يقيها الحجارة أخرجاه « خ 6841 م 1699 » وهذا لفظ البخاري وفي لفظ له « 7543 » قال لليهود ما تصنعون بهما قالوا نسخم وجوههما ونخزيهما قال « فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين » فجاؤا فقالوا لرجل منهم ممن يرضون أعور اقرأ فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليه فقال ارفع يدك فرفع فإذا آية الرجم تلوح قال يامحمد إن فيها آية الرجم ولكنا نتكاتمه بيننا فأمر بهما فرجما وعند مسلم « 1699 » أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بيهودي ويهودية قد زنيا فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى جاء يهود فقال ما تجدون في التوراة على من زنا قالوا نسود وجوههما ونحملهما ونخالف بين وجوههما ويطاف بهما قال « فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين » قال فجاؤا بها فقرؤوها حتى إذا مر بآية الرجم وضع الفتى الذي يقرأ يده على آية الرجم وقرأ مابين يديها وما وراءها فقال له عبد الله بن سلام وهو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مره فليرفع يده فرفع يده فإذا تحتها آية الرجم فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجما قال عبد الله بن عمر كنت فيمن رجمهما فلقد رأيته يقيها من الحجارة بنفسه وقال أبو داود « 4449 » حدثنا أحمد بن سعيد الهمداني حدثنا ابن وهب حدثنا هشام بن سعد أن زيد بن أسلم حدثه عن ابن عمر قال أتى نفر من اليهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القف فأتاهم في بيت المدارس فقالوا يا أبا القاسم إن رجلا منا زنى بامرأة فاحكم قال ووضعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وسادة فجلس عليها ثم قال ائتوني بالتوراة فأتي بها فنزع الوسادة من تحته ووضع التوراة عليها وقال آمنت بك وبمن أنزلك ثم قال ائتوني بأعلمكم فأتي بفتى شاب ثم ذكر قصة الرجم نحو حديث مالك عن نافع وقال الزهري سمعت رجلا من مزينة ممن يتبع العلم ويعيه ونحن عند ابن المسيب يحدث عن أبي هريرة قال زنى رجل من اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض اذهبوا إلى هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلنا واحتججنا بها عند الله قلنا فتيا نبي من أنبيائك قال فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا يا أبا القاسم ما تقول في رجل وامرأة منهم زنيا فلم يكلمهم كلمة حتى أتى بيت مدارسهم فقام على الباب فقال أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن قالوا يحمم ويجبه ويجلد والتجبيه أن يحمل الزانيان على حمار وتقابل أقفيهما ويطاف بهما قال وسكت شاب منهم فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه سكت ألظ به رسول الله صلى الله عليه وسلم النشدة فقال اللهم إذ نشدتنا فأنا نجد في التوراة الرجم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فما أول ماارتخصتم أمر الله فقال زنى ذو قرابة من ملك من ملوكنا فأخر عنه الرجم ثمزنى رجل في أثره من الناس فأراد رجمه فحال قومه دونه وقالوا لا نرجم صاحبنا حتى تجئ بصاحبك فترجمه فاصطلحوا هذه العقوبة بينهم فقال النبي صلى الله عليه وسلم فإني أحكم بما في التوراة فأمر بهما فرجما قال الزهري فبلغنا أن هذه الآية نزلت فيهم « إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا » فكان النبي صلى الله عليه وسلم منهم رواه أحمد وأبو داود « 4450 » وهذا لفظه وابن جرير وقال الإمام أحمد « 4/286 » حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن البراء بن عازب قال مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم فقالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم فقال لا والله ولو أنك نشدتني بهذا لم أخبرك نجد حد الزاني في كتابنا الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا تعالوا حتى نجعل شيئا نقيمه على الشريف والوضيع فاجتمعنا على التحميم والجلد فقال النبي صلى الله عليه وسلم اللهم إني أول من أحيا أمرك إذا أماتوه قال فأمر به فرجم قال فأنزل الله عز وجل « يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر » إلى قوله « يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه » أي يقولون ائتوا محمدا فإن أفتاكم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفاتكم بالرجم فاحذروه إلى قوله « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون » قال في اليهود إلى قوله « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون » قال في اليهود « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون » قال في الكفار كلها انفرد بإخراجه مسلم « 1700 » دون البخاري وأبو داود « 4447 » والنسائي « كبرى تحفة 1771 » وابن ماجة « 2327 » من غير وجه عن الأعمش به وقال الإمام أبو بكر عبد الله بن الزبير الحميدي في مسنده « 1294 » حدثنا سفيان بن عيينة حدثنا مجالد بن سعيد الهمداني عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال زنى رجل من أهل فدك فكتب أهل فدك إلى ناس من اليهود بالمدينة أن سلوا محمدا عن ذلك فإن أمركم بالجلد فخذوه عنه وإن أمركم بالرجم فلا تأخذوه عنه فسألوه عن ذلك فقال ارسلوا إلي أعلم رجلين فيكم فجاؤا برجل أعور يقال له ابن صوريا وآخر فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم أنتما أعلم من قبلكما فقالا قد دعانا قومنا لذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم لهما أليس عندكما التوراة فيها حكم الله قالا بلى فقال النبي صلى الله عليه وسلم أنشدكم بالذي فلق البحر لبني إسرائيل وظلل عليكم الغمام وأنجاكم من آل فرعون وأنزل المن والسلوى على بني إسرائيل ما تجدون في التوراة في شأن الرجم فقال أحدهما للآخر ما نشدت بمثله قط ثم قالا نجد ترداد النظر زنية والاعتناق زنية والتقبيل زنية فإذا شهد أربعة أنهم رأوه يبدئ ويعيد كما يدخل الميل في المكحلة فقد وجب الرجم فقال النبي صلى الله عليه وسلم هو ذاك فأمر به فرجم فنزلت « فإن جاؤك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين » ورواه أبو داود « 4452 » وابن ماجة « 2328 » من حديث مجالد به نحوه ولفظ أبي داود عن جابر قال جاءت اليهود برجل وامرأة منهم زنيا فقال ائتوني بأعلم رجلين منكم فأتوا بابني صوريا فنشدهما كيف تجدان أمر هذين في التوراة قالا نجد إذا شهد أربعة أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المكحلة رجما قال فما يمنعكم أن ترجموهما قالا ذهب سلطاننا فكرهنا القتل فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود فجاء أربعة فشهدوا أنهم رأوا ذكره مثل الميل في المكحلة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجمهما ثم رواه أبو داود « 4453 » عن الشعبي وإبراهيم النخعي مرسلا ولم يذكر فيه فدعا بالشهود فشهدوا فهذه الأحاديث دالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حكم بموافقة حكم التوراة وليس هذا من باب الإكرام لهم بما يعتقدون صحته لأنهم مأمورون باتباع الشرع المحمدي لامحالة ولكن هذا بوحي خاص من الله عز وجل إليه بذلك وسؤاله إياهم عن ذلك ليقررهم على ما بأيديهم مما تواطؤا على كتمانه وجحده وعدم العمل به تلك الدهور الطويلة فلما اعترفوا به مع علمهم على خلافه بان زيغهم وعنادهم وتكذيبهم لما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم وعدولهم إلى تحكيم الرسول صلى الله عليه وسلم إنما كان عن هوى منهم وشهوة لموافقة آرائهم لا لإعتقادهم صحة ما يحكم به ولهذا قالوا « إن أوتيتم هذا » أي الجلد والتحميم فخذوه أي اقبلوه « وإن لم تؤتوه فاحذروا » أي من قبوله واتباعه قال الله تعالى « ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم لهم في الدنياخزي ولهم في الآخرة عذاب عظيم سماعون للكذب » أي الباطل « أكالون للسحت » أي الحرام وهو الرشوة كما قاله ابن مسعود وغير واحد أي ومن كانت هذه صفته كيف يطهر الله قلبه وأنى يستجيب له ثم قال لنبيه « فإن جاؤك » أي يتحاكمون إليك « فاحكم بينهم أو اعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا » أي فلا عليك أن لا تحكم بينهم لأنهم لا يقصدون بتحاكمهم إليك اتباع الحق بل ما يوافق أهواءهم قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والسدي وزيد بن أسلم وعطاء الخرساني والحسن وغير واحد هي منسوخة بقوله « وأن احكم بينهم بما أنزل الله » « وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط » أي بالحق والعدل وإن كانوا ظلمة خارجين عن طريق العدل « إن الله يحب المقسطين » ثم قال تعالى منكرا عليهم آرائهم الفاسدة ومقاصدهم الزائغة في تركهم ما يعتقدون صحته من الكتاب الذي بأيديهم الذي يزعمون أنهم مأمورن بالتمسك به أبدا ثم خرجوا عن حكمه وعدلوا إلى غيره مما يعتقدون في نفس الأمر بطلانه وعدم لزومه لهم فقال « وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين » ثم مدح التوراة التي أنزلها على عبده ورسوله موسى بن عمران فقال « إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا » أي لا يخرجون عن حكمها ولايبدلونها ولايحرفونها « والربانيون والأحبار » أي وكذلك الربانيون وهم العلماء العباد والأحبار وهم العلماء « بما استحفظوا من كتاب الله » أي بما استودعوا من كتاب الله الذي أمروا أن يظهروه ويعلموا به « وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشوني » أي لا تخافوا منهم وخافوا مني « ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون » فيه قولان سيأتي بيانهما « سبب آخر في نزول هذه الآيات الكريمات » وقال الإمام أحمد « 1/246 » حدثنا إبراهيم بن العباس حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس قال إن الله أنزل « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون » و « فأولئك هم الظالمون » و « فأولئك هم الفاسقون » قال قال ابن عباس أنزلها الله في الطائفتين من اليهود وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قاتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقا وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مئة وسق فكانوا على ذلك حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم فقتلت الذليلة من العزيزةقتيلا فأرسلت العزيزة إلى الذليلة ان ابعثوا لنا بمئة وسق فقالت الذليلة وهل كان في حيين دينهما واحد ونسبهما واحد وبلدهما واحددية بعضهم نصف دية إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا وفرقا منكم فأما إذا قدم محمد فلا نعطيكم فكادت الحرب تهيج بينهما ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ثم ذكرت العزيزة فقالت والله مامحمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم ولقد صدقوا ما أعطونا هذا إلا ضيما منا وقهرا لهم فدسوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه وإن لم يعطيكم حذرتم فلم تحكموه فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما جاؤا رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمرهم كله وما أرادوا فأنزل الله تعالى « يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر » إلى قوله « الفاسقون » ففيهم والله أنزل وإياهم عنى الله عز وجل ورواه أبو داود « 3576 » من حديث ابن أبي الزناد عن أبيه بنحوه وقال أبو جعفر بن جرير حدثنا هناد بن السري وأبو كريب قالا حدثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أن الآيات التي في المائدة قوله « فاحكم عنهم أو اعرض عنهم » إلى « المقسطين » إنما أنزلت في الدية في بني النضير وبني قريظة وذلك أن قتلى بني النضير كان لهم شرف تؤدى الدية كاملة وأن قريظة كان يؤدي لهم نصف الدية فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله ذلك فيهم فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك فجعل الدية في ذلك سواء والله أعلم أي ذلك كان ورواه أحمد « 1/363 » وأبو داود « 3591 » والنسائي « 8/19 » من حديث ابن إسحاق بنحوه ثم قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا عبيد الله بن موسى عن علي بن صالح عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال كانت قريظة والنظير وكان النظير أشرف من قريظة فكان إذا قتل القرظي رجلا من النظير قتل به وإذا قتل النظير رجلا من قريظة ودي بمئة وسق من تمر فلما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل رجل من النضير رجلا من قريظة فقالوا ادفعوا إليه فقالوا بيننا وبينكمرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت « وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط » ورواه أبو داود « 4494 » والنسائي « 8/18 » وابن حبان « 5057 » والحاكم في المستدرك « 4/366 » من حديث عبد الله بن موسى بنحوه وهكذا قال قتادة ومقاتل بن حيان وابن زيد وغير واحد وقد ورى العوفي وعلي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس أن هذه الآيات نزلت في اليهوديين اللذين زنيا كما تقدمت الأحاديث بذلك وقد يكون اجتمع هذان السببان في وقت واحد فنزلت هذه الآيات في ذلك كله والله أعلم ولهذا قال بعد ذلك « وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين » إلى آخرها وهذا يقوي أن سبب النزول قضية القصاص والله سبحانه وتعالى أعلم وقوله تعالى « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون » قال البراء بن عازب وحذيفة بن اليمان وابن عباس وأبو مجلز وأبو رجاء العطاردي وعكرمة وعبيد الله بن عبد الله والحسن البصري وغيرهم نزلت في أهل الكتاب زاد الحسن البصري وهي علينا واجبة وقال عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال نزلت هذه الآيات في بني إسرائيل ورضي الله لهذه الأمة بها رواه ابن جرير وقال ابن جرير أيضا حدثنا يعقوب حدثنا هشيم أخبر عبد الملك بن أبي سليمان عن سلمة بن كهيل عن علقمة ومسروق أنهما سألا ابن مسعود عن الرشوة فقال من السحت قال فقالا وفي الحكم قال ذاك الكفر ثم تلا « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون » وقال السدي « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون » يقول ومن لم يحكم بما أنزلت فتركه عمدا أو جار وهو يعلم فهو من الكافرين وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون » قال من جحد ما أنزل الله فقد كفر ومن أقربه فهو ظالم فاسق رواه ابن جرير ثم اختار أن الآية المراد بها أهل الكتاب أو من جحد حكم الله المنزل في الكتاب وقال عبد الرزاق عن الثوري عن زكريا عن الشعبي ومن لم يحكم بما أنزل الله قال للمسلمين وقال ابن جرير حدثنا ابن المثنى حدثنا عبد الصمد حدثنا شعبة عن ابن أبي السفر عن الشعبي « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون » قال هذا في المسلمين « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون » قال هذا في اليهود « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون » قال هذا في النصارى وكذا رواه هشيم والثوري عن زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي وقال عبد الرزاق أيضا أخبرنا معمر عن ابن طاوس عن أبيه قال سئل ابن عباس عن قوله « ومن لم يحكم » الآية قال هي به كفر قال ابن طاوس وليس كمن يكفر بالله وملائكته وكتبه ورسله وقال الثوري عن ابن جريح عن عطاء أنه قال كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق رواه ابن جرير وقال وكيع عن سعيد المكي عن طاوس « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون » قال ليس بكفر ينقل عن الملة وقال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن حجير عن طاوس عن ابن عباس في قوله « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون » قال ليس بالكفر الذي يذهبون إليه ورواه الحاكم في مستدركه « 2/313 » من حديث سفيان بن عيينة وقال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:45 am | |
| 45-وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
وهذا أيضا مما وبخت به اليهود وقرعوا عليه فإنه عندهم في نص التوراة أن النفس بالنفس وهم يخالفون ذلك عمدا وعنادا ويقيدون النضري من القرظي ولايقيدون القرظي من النظري بل يعدلون إلى الدية كما خالفوا حكم التوراة المنصوص عندهم في رجم الزاني المحصن وعدلوا إلى مااصطلحوا عليه من الجلد والتحميم والإشهار ولهذا قال هناك « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون » لأنهم جحدوا حكم الله قصدا منهم وعنادا وعمدا وقال ها هنا « فأولئك هم الظالمون » لأنهم لم ينصفوا المظلوم من الظالم في الأمر الذي أمر الله بالعدل والتسوية بين الجميع فيه فخالفوا وظلموا وتعدوا على بعضهم بعضا وقال الإمام أحمد « 3/245 » حدثنا يحيى بن آدم حدثنا ابن المبارك عن يونس بن يزيد عن أبي علي بن يزيد أخي يونس بن يزيد عن الزهريعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها « وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين » نصب النفس ورفع العين وكذا رواه أبو داود « 3976 » والترمذي « 2929 » والحاكم في مستدركه من حديث عبد الله بن المبارك وقال الترمذي حسن غريب وقال البخاري تفرد ابن المبارك بهذا الحديث وقد استدل كثير ممن ذهب من الأصوليين والفقهاء إلى أن شرع من قبلنا شرع لنا إذا حكي مقررا ولم ينسخ كما هو المشهور عن الجمهور وكما حكاه الشيخ أبو إسحاق الأسفراييني عن نص الشافعي وأكثر الأصحاب بهذه الآية حيث كان الحكم عندنا على وقفها في الجنايات عند جميع الأئمة وقال الحسن البصري هي عليهم وعلى الناس عامة رواه ابن أبي حاتم وقد حكى الشيخ أبو زكريا النواوي في هذه المسألة ثلاثة أوجه ثالثها أن شرع إبراهيم حجة دون غيره وصحح منها عدم الحجية ونقلها الشيخ أبو إسحاق الأسفراييني أقوالا عن الشافعي وأكثر الأصحاب ورجح أنه حجة عند الجمهور من أصحابنا فالله أعلم وقد حكى الإمام أبو نصر بن الصباغ رحمه الله في كتابه الشامل إجماع العلماء على الإحتجاج بهذه الآية على مادلت عليه وقد إحتج الأئمة كلهم على أن الرجل يقتل بالرأة بعموم هذه الآية الكريمة وكذا ورد في الحديث الذي رواه النسائي وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب في كتاب عمرو بن حزم أن الرجل يقتل بالمرأة وفي الحديث الآخر المسلمون تتكفأ دماؤهم وهذا قول جمهور العلماء وعن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها إلا إذا يدفع وليها إلى أوليائه نصف الدية لأن ديتها على النصف من دية الرجل وإليه ذهب أحمد في رواية وحكى عن الحسن وعثمان السبتي ورواية عن أحمد أن الرجل إذا قتل المرأة لا يقتل بها بل تجب ديتها وكذا احتج أبو حنيفة رحمه الله تعالى بعموم هذه الآية على أنه يقتل المسلم بالكافر وعلى قتل الحر بالعبد وقد خالفه الجمهور فيهما ففي الصحيحين « خ 6903 » عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقتل مسلم بكافر وأما العبد ففيه عن السلف آثار متعددة أنهم لم يكونوا يقيدون العبد من الحر ولا يقتلون حرا بعبد وجاء في ذلك أحاديث لا تصح وحكى الشافعي الإجماع على خلاف قول الحنفية في ذلك ولكن لا يلزم من ذلك بطلان قولهم إلا بدليل مخصص للآية الكريمة ويؤيد ما قاله ابن الصباغ من الإحتجاج بهذه الاية الكريمة الحديث الثابت في ذلك كما قال الإمام أحمد « 3/128 » حدثنا محمد بنأبي عدي حدثنا حميد عن أنس بن مالك أن الربيع عمة أنس كسرت ثنية جارية فطلبوا إلى القوم العفو فأربوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال القصاص فقال أخوها أنس بن النضر يا رسول الله تكسر ثنية فلانة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يا أنس كتاب الله القصاص قال لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنية فلانة قال فرضي القوم فعفوا وتركوا القصاص فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره أخرجاه في الصحيحين « خ 4500 م 1675 » وقد رواه محمد بن عبد الله بن المثنى الأنصاري في الجزء المشهور من حديثه عن حميد عن أنس بن مالك أن الربيع بنت النضر عمته لطمت جارية فكسرت ثنيتها فعرضوا عليهم الأرش فأبوا فطلبوا الأرش والعفو فأبوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم بالقصاص فجاء أخوها أنس بن النضر فقال يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أنس كتاب الله القصاص فعفا القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم علي الله لأبره رواه البخاري « 2703 » عن الأنصاري بنحوه وروى أبو داود « 4590 » حدثنا أحمد بن حنبل حدثنا معاذ بن هشام حدثنا أبي عن قتادة عن أبي نضرة عن عمران بن حصين أن غلاما لأناس فقراء قطع اذن غلام لأناس أغنياء فأتى أهله النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا يا رسول الله إنا أناس فقراء فلم يجعل عليه شيئا وكذا رواه النسائي « 8/25 » عن إسحاق بن راهويه عن معاذ بن هشام الدستوائي عن أبيه عن قتادة به وهذا إسناد قوي رجاله كلهم ثقات وهو حديث مشكل اللهم إلا أن يقال إن الجاني كان قبل البلوغ فلا قصاص عليه ولعله تحمل أرش ما نقص من غلام الأغنياء عن الفقراء أو استعفاهم عنه وقوله تعالى « والجروح قصاص » قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال تقتل النفس بالنفس وتفقأ العين بالعين وتقطع الأنف بالأنف وتنزع السن بالسن وتقتص الجراح بالجراح فهذا يستوي فيه أحرار المسلمين فيما بينهم رجالهم ونساؤهم إذا كان عمدا إذا كان عمدا في النفس وما دون النفس ويستوي فيه العبيد رجالهم ونساؤهم فيما بينهم إذا كان عمدا في النفس وما دون النفس رواه ابن جرير وابن أبي حاتمأحكام الجراح- « قاعدة مهمة » الجراح تارة تكون في مفصل فيجب فيه القصاص بالإجماع كقطع اليد والرجل والكف والقدم ونحو ذلك وأما إذا لم تكن الجراح في مفصل بل في عظم فقال مالك رحمه الله فيها القصاص إلا في الفخذ وشبهها لأنه مخوف خطر وقال أبو حنيفة وصاحباه لا يجب القصاص في شيء من العظام إلا في السن وقال الشافعي لا يجب القصاص في شيء من العظام مطلقا وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابن عباس وبه يقول عطاء والشعبي والحسن البصري والزهري وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز وإليه ذهب سفيان الثوري والليث بن سعد وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد وقد احتج أبو حنيفة رحمه الله بحديث الربيع بنت النضر على مذهبه أنه لاقصاص في عظم إلا في السن وحديث الربيع لاحجة فيه لأنه ورد بلفظ كسرت ثنية جارية وجائز أن تكون سقطت من غير كسر فيجب القصاص والحالة هذه بالإجماع وتمموا الدلالة بما رواه ابن ماجة « 2636 » من طريق أبي بكر بن عياش عن دهشم بن قران عن نمران بن جارية عن أبيه جارية بن ظفر الحنفي أن رجلا ضرب رجل على ساعده بالسيف من غير المفصل فقطعها فاستدعى النبي صلى الله عليه وسلم فأمر له بالدية فقال يا رسول الله أريد القصاص فقال خذ الدية بارك الله لك فيها ولم يقض له بالقصاص وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر ليس لهذا الحديث غير هذا الإسناد ودهشم بن قران العكلي ضعيف أعرابي ليس حديثه مما يحتج به ونمران بن جارية ضعيف أعرابي أيضا وأبو جارية بن ظفر مذكور في الصحابة ثم قالوا لا يجوز أن يقتص من الجراحة حتى تندمل جراحة المجني عليه فأن اقتص منه قبل الأندمال ثم زاد جرحه فلا شيء له والدليل على ذلك مارواه الإمام أحمد « 2/217 » حدثنا يعقوب حدثنا أبي عن محمد بن إسحاق فذكر حديثا قال ابن إسحاق وذكر عمرو بن شعيب عن أبيه وعن جده أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أقدني فقال حتى تبرأ ثم جاء إليه فقال أقدني فأقاده فقال يا رسول الله عرجت فقال قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه تفرد به أحمد « مسألة » فلو اقتص المجني عليه من الجاني فمات من القصاص فلا شيء عليه عند مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وهو قول الجمهور من الصحابة والتابعين وغيرهم وقال أبو حنيفة تجب الدية في مال المقتص وقال عامر الشعبي وعطاء وطاوس وعمرو بن دينار والحارث العكلي وابن أبي ليلى وحماد بن أبي سليمان والزهري والثوري تجب الدية على عاقلة المقتص له وقال ابن مسعود وإبراهيم النخعي والحكم بن عيينة وعثمان السبتي يسقط عن المقتص له قدر تلك الجراحة ويجب الباقي في ماله-وقوله تعالى « فمن تصدق به فهو كفارة له » قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس « فمن تصدق به » يقول فمن عفا عنه وتصدق عليه فهو كفارة للمطلوب وأجر للطالب وقال سفيان الثوري عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فمن تصدق به فهو كفارة للجارح وأجر للمجروح على الله عز وجل رواه ابن أبي حاتم ثم قال وروي عن خيثمة بن عبد الرحمن ومجاهد وإبراهيم في أحد قوليه وعامر الشعبي وجابر بن زيد نحو ذلك « الوجه الثاني » ثم قال ابن أبي حاتم حدثنا حماد بن زاذان حدثنا حرمى يعني ابن عمارة حدثنا شعبة عن عمارة يعني ابن أبي حفصة عن رجل عن جابر بن عبد الله في قول الله عز وجل « فمن تصدق به فهو كفارة له » قال المجروح وروي عن الحسن البصري وإبراهيم النخعي في أحد قوليه وأبي إسحاق الهمداني نحو ذلك وروى ابن جرير عن عامر الشعبي وقتادة مثله وقال ابن أبي حاتم حدثنا يونس بن حبيب حدثنا أبو داود الطيالسي حدثنا شعبة عن قيس يعني ابن مسلم قال سمعت طارق بن شهاب يحدث عن الهيثم بن العريان النخعي قال رأيت عبد الله بن عمرو عند معاوية أحمر شبيها بالموالي فسألته عن قول الله « فمن تصدق به كفارة له » قال يهدم عنه من ذنوبه بقدر ما تصدق به وهكذا رواه سفيان الثوري عن قيس بن مسلم وكذا رواه ابن جرير من طريق سفيان وشعبة وقال ابن مردوية حدثني محمد بن علي حدثنا عبد الرحيم بن محمد المجاشعي حدثنا محمد بن أحمد بن الحجاج المهري حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي حدثنا معلى يعني ابن هلال أنه سمع أبان بن تغلب عن العريان بن الهيثم بن الأسود عن عبد الله بن عمرو عن أبان بن تغلب عن الشعبي عن رجل من الأنصار عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله « فمن تصدق به فهو كفارة له » قال هو الذي تكسر سنه أو تقطع يده أو يقطع الشئ منه أو يجرح في بدنه فيعفو عن ذلك قال فيحط عنه قدر خطاياه فان كان ربع الدية فربع خطاياه وإن كانالثلث فثلث خطاياه وإن كانت الدية حطت عنه خطاياه كذلك ثم قال ابن جرير حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة حدثنا ابن فضيل عن يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر قال دفع رجل من قريش رجلا من الأنصار فتدفت ثنيته فرفعه الأنصاري إلى معاوية فلما ألح عليه الرجل قال شأنك وصاحبك قال وأبو الدرداء عند معاوية فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مامن مسلم يصاب بشيء من جسده فيهبه إلا رفعه الله به درجة وحط عنه خطيئة فقال الأنصاري أنت سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سمعته أذني ووعاه قلبي فخلي سبيل القريشي فقال معاوية مروا له بمال هكذا رواه ابن جرير ورواه الإمام أحمد « 6/448 » فقال حدثنا وكيع حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبي السفر قال كسر رجل من قريش سن رجل من الأنصار فاستعدى عليه معاوية فقال معاوية إنا سنرضيه فألح الأنصاري فقال معاوية شأنك بصاحبك وأبو الدرداء جالس فقال أبو الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيتصدق به إلا رفعه الله به درجة أو حط به عنه به خطيئة فقال الأنصاري فإني قد عفوت وهكذا رواه الترمذي « 1393 » من حديث ابن المبارك وابن ماجة « 2693 » من حديث وكيع كلاهما عن يونس بن أبي إسحاق به ثم قال الترمذي غريب من هذا الوجه ولا أعرف لأبي السفر سماعا من أبي الدرداء وقال ابن مردويه حدثنا دعلج بن أحمد حدثنا محمد بن علي بن زيد حدثنا سعيد بن منصور حدثنا سفيان عن عمران بن ظبيان عن عدي بن ثابت أن رجلا هتم فمه رجل على عهد معاوية رضي الله عنه فأعطي دية فأبى إلا أن ينتقص فأعطي ديتين فأبى فأعطي ثلاثا فأبى فحدث رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من تصدق بدم فما دونه فهو كفارة له من يوم ولد إلى يوم يموت وقال الإمام أحمد « 5/316 » حدثنا سريج بن النعمان حدثنا هشيم عن المغيرة عن الشعبي أن عبادة بن الصامت قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مامن رجل يخرج من جسده جراحة فيتصدق بها إلا كفر الله عنه مثل ما تصدق به ورواه النسائي « كبرى 11146 » عن علي بن حجر بن عبد الحميد ورواه ابن جرير محمود بن خداش عن هشيم كلاهما عن المغيرة به وقال الإمام أحمد « 5/412 » حدثنا يحيى بن سعيد القطان عن مجالد عن عامر عن المحرر بن أبي هريرة عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال من أصيب بشيء من جسده فتركه لله كان كفارة له وقوله « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون » قد تقدم عن طاوس وعطاء أنهما قالا كفر دون كفر وظلم دون ظلم وفسق دون فسق
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:47 am | |
| 46-وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ
. انظر تفسير الآية 47
47-وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ
يقول تعالى « وقفينا » أي اتبعنا على آثارهم يعني أنبياء بني إسرائيل « بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة » أي مؤمنا بها حاكما بما فيها « وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور » أي هدى إلى الحق ونور يستضاء به في إزالة الشبهات وحل المشكلات « ومصدقا لما بين يديه من التوراة » أي متبعا لها غير مخالف لما فيها إلا في القليل مما بين لبني إسرائيل بعض ماكانوا يختلفون فيه كما قال تعالى إخبارا عن المسيح أنه قال لبني إسرائيل « ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم » ولهذا كان المشهور من قول العلماء أن الإنجيل نسخ بعض أحكام التوراة وقوله تعالى « وهدى وموعظة للمتقين » أي وجعلنا الإنجيل هدى يهتدى به وموعظة أي زاجرا عن ارتكاب المحارم والمآثم للمتقين أي لمن اتقى الله وخاف وعيده وعقابه وقوله تعالى « وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل فيه » قرئ وليحكم أهل بالنصب على أن اللام لام كي أي وآتيناه الانجيل ليحكم أهل ملته به في زمانهم وقرئ وليحكم بالجزم على أن اللام لام الأمر أي ليؤمنوا بجميع مافيه وليقيموا ما أمروا فيه ومما فيه البشارة ببعثة محمد والأمر باتباعه وتصديقه إذا وجد كما قال تعالى « قل يا أهل الكتابلستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم » الآية وقال تعالى « الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة » إلى قوله « المفلحون » ولهذا قال ها هنا « ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون » أي الخارجون عن طاعة ربهم المائلون إلى الباطل التاركون للحق وقد تقدم هذه أن هذه الآية نزلت في النصارى وهو ظاهر في السياق
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:49 am | |
| 48-وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
. انظر تفسير الآية 50
49-وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ أَن يُصِيبَهُم بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ
. انظر تفسير الآية 50
50-أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ
لما ذكر تعالى التوراة التي أنزلها على موسى كليمه ومدحها وأثنى عليها وأمر باتباعها حيث كانت سائغة الإتباع وذكر الانجيل ومدحه وأمر أهله بإقامته واتباع مافيه كما تقدم بيانه شرع في ذكر القرآن العظيم الذي أنزله على عبده ورسوله الكريم فقال تعالى « وأنزلنا إليك الكتاب بالحق » أي بالصدق الذي لاريب فيه أنه من عند الله « مصدقا لما بين يديه من الكتاب » أي من الكتب المتقدمة المتضمنة ذكره ومدحه وأنه سينزل من عند الله على عبد ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم فكان نزوله كما أخبرت به مما زادها صدقا عند حامليها من ذزي البصائر الذين انقادوا لأمر الله واتبعوا شرائع الله وصدقوا رسل الله كما قال تعالى « إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا » أي إن كان ماوعدنا الله على ألسنة رسله المتقدم من مجئ محمد عليه السلام لمفعولا أي لكائنا لامحالة ولا بد وقوله تعالى « ومهيمنا عليه » قال سفيان الثوري وغيره عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس أي مؤتمنا عليه وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس المهيمن الأمين قال القرآن أمين على كل كتاب قبله ورواه عن عكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومحمد بن كعب وعطية والحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدي وابن زيد نحو ذلك وقال ابن جريج القرآن أمين على الكتب المتقدمة قبله فما وافقه منها فهو حق وما خالفه منها فهو باطل وعن الوالبي عن ابن عباس « ومهيمنا » أي شهيدا وكذا قال مجاهد وقتادة والسدي وقال العوفي عن ابن عباس « ومهيمنا » أي حاكما على ما قبله من الكتب وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى فإن اسم المهيمن يتضمن هذا كله فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله جعل الله هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر الكتب وخاتمها وأشملها وأعظمها وأكملها حيث جمع فيه محاسن ما قبله من الكمالات ماليس في غيره فلهذا جعله شاهدا وأمينا وحاكما عليها كلها وتكفل تعالى حفظه بنفسه الكريمة فقال تعالى « إنا نحن نزلناالذكر وإنا له لحافظون » فأما ماحكاه ابن أبي حاتم عن عكرمة وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني وابن أبي نجيح عن مجاهد أنهم قالوا في قوله « ومهيمنا عليه » يعني محمدا صلى الله عليه وسلم أمين على القرآن فإنه صحيح في المعنى ولكن في تفسيرهذا بهذا نظر وفي تنزيله عليه من حيث العربية أيضا نظر وبالجملة فالصحيح الأول وقال أبو جعفر بن جرير بعد حكايته له عن مجاهد وهذا التأويل بعيد عن المفهوم في كلام العرب بل هو خطأ وذلك أن المهيمن عطف على المصدق فلا يكون إلا صفة لما كان المصدق صفة له ولو كان الأمر كما قال مجاهد لقال « وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه » يعني من غير عطف وقولهتعالى « فاحكم بينهم بما أنزل الله » أي فاحكم يامحمد بين الناس عربهم وعجمهم أميهم وكتابيهم بما أنزل الله إليك من هذا الكتاب العظيم وبما قرره لك من حكم من كان قبلك من الأنبياء ولم ينسخه في شرعك هكذا وجهه ابن جرير بمعناه قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عمار حدثنا سعيد بن سليمان حدثنا عباد بن العوام عن سفيان بن حسين عن الحكم عن مجاهد عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم مخيرا إن شاء حكم بينهم وإن شاء أعرض عنهم فردهم إلى أحكامهم فنزلت « وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم » فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحكم بينهم بما في كتابنا وقوله « ولا تتبع أهواءهم » أي آراءهم التي اصطلحوا عليها وتركوا بسببها ما أنزل الله على رسله ولهذا قال تعالى « ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق » أي لا تنصرف عن الحق الذي أمرك الله به إلى أهواء هؤلاء من الجهلة الأشقياء وقوله تعالى « لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا » قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه عن التميمي عن ابن عباس « لكل جعلنا منكم شرعة » قال سبيلا وحدثنا أبو سعيد حدثنا وكيع عن سفيان بن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس « ومنهاجا » قال سنة وكذا روى العوفي عن ابن عباس « شرعة ومنهاجا » سبيلا وسنة وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والحسن البصري وقتادة والضحاك والسدي وابن إسحاق السبيعي أنهم قالوا في قوله « شرعة ومنهاجا » أي سبيلا وسنة وعن ابن عباس أيضا ومجاهد أي وعطاء الخراساني عكسه شرعة ومنهاجا أي سنة وسبيلا والأول أنسب فإن الشرعة وهي الشريعة أيضا هي ما يبتدا فيه إلى الشئ ومنه قال شرع في كذا أي ابتدأ فيه وكذا الشريعة وهي ما يشرع فيها إلى الماء أما المنهاج فهو الطريق الواضح السهل والسنن والطرائق فتفسير قوله « شرعة ومنهاجا » بالسبيل والسنة أظهر في المناسبة من العكس والله أعلم ثم هي أخبار عن الأمم المختلفة الأديان باعتبار مابعث الله به رسله الكرام من الشرائع المختلفة في الأحكام المتفقة في التوحيد كما ثبت في صحيح البخاري « 3442 م 2365 » عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال نحن معاشر الأنبياء أخوة لعلات ديننا واحد يعني بذلك التوحيد الذي بعث الله به كل رسول أرسله وضمنه كل كتاب أنزله كما قال تعالى « وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون » وقال تعالى « ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت » الآية وأما الشرائع فمختلفة في الأوامر والنواهي فقد يكون الشئ في هذه الشريعة حراما ثم يحل في الشريعة الأخرى وبالعكس وخفيفا فيزاد في الشدة في هذه دون هذه وذلك لما له تعالى في ذلك من الحكمة البالغة والحجة الدامغة قال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله « لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا » يقول سبيلا وسنة والسنن مختلفة هي في التوراة شريعة وفي الإنجيل شريعة وفي الفرقان شريعة يحل الله فيها ما يشاء ويحرم ما يشاء ليعلم من يطيعه ممن يعصيه والدين الذي لا يقبل الله غيره التوحيد والإخلاص لله الذي جاءت به جميع الرسل عليهم الصلاة والسلام وقيل المخاطب بهذه الآية هذه الأمة ومعناه لكل جعلنا القرآن منكم أيتها الأمة شرعة ومنهاجا أي هو لكم كلكم تقتدون به وحذف الضمير المنصوب في قوله « لكل جعلنا منكم » أي جعلناه يعني القرآن شرعة ومنهاجا أي سبيلا إلى المقاصد الصحيحة وسنة أي طريقا ومسلكا واضحا بينا هذا مضمون ماحكاه ابن جرير عن مجاهد رحمه الله والصحيح القول الأول ويدل على ذلك في قوله تعالى بعده « ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة » فلو كان هذا خطابا لهذه الأمة لما صح أن يقول « ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة » وهم أمة واحدة ولكن هذا خطاب لجميع الأمم وإخبار عن قدرته تعالى العظيمة التي لو شاء لجميع الناس كلهم على دين واحد وشريعة واحدة لا ينسخ شيء منها ولكنه تعالى شرع لكل رسول شريعة على حدة ثم نسخها أو بعضها برسالة الآخر الذي بعده حتى نسخ الجميع بما بعث به عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم الذي ابتعثه إلى أهل الأرض قاطبة وجعله خاتم الأنبياء كلهم ولهذا قال تعالى « ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما آتاكم » أي أنه تعالى شرع الشرائع مختلفة ليخبر عباده فيما شرع لهم ويثيبهم أو يعاقبهم على طاعته ومعصيته بما فعلوه أو عزموا عليه من ذلك كله وقال عبد الله بن كثير « فيما آتاكم » يعني من الكتاب ثم إنه تعالى ندبهم إلى المسارعة إلى الخيرات والمبادرة اليها فقال « فاستبقوا الخيرات » وهي طاعة الله واتباع شرعه الذي جعله ناسخا لما قبله والتصديق بكتابه القرآن الذي هو آخر كتاب أنزله ثم قال تعالى « الى الله مرجعكم » أي معادكم أيها الناس ومصيركم إليه يوم القيامة « فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون » أي فيخبركم بما اختلفتم فيه من الحق فيجزي الصادقين بصدقهم ويعذب الكافرين الجاحدين المكذبين بالحق العادلين عنه إلى غيره بلا دليل ولا برهان بل هم معاندون للبراهين القاطعة والحجج البالغة والأدلة الدامغة وقال الضحاك « فاستبقوا الخيرات » يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلم والأول أظهر وقوله « وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم » تأكيد لما تقدم من الأمر بذلك النهي عن خلافه ثم قال « واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك » أي واحذر أعداءك اليهود أن يدلسوا عليك الحق فيما ينهونه إليك من الأمور فلا تغتر بهم فإنهم كذبة كفرة خونة « فإن تولوا » أي عما تحكم بينهم من الحق وخالفوا شرع الله « فاعلم إنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم » أي فاعلم أن ذلك كائن عن قدرة الله وحكمته فيهم أن يصرفهم عن الهدى لما لهم من الذنوب السالفة التي اقتضت إضلالهم ونكالهم « وإن كثيرا من الناس لفاسقون » أي إن أكثر الناس خارجون عن طاعة ربهم مخالفون للحق ناكبون عنه كما قال تعالى « وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين » وقال تعالى « وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله » الآية وقال محمد بن إسحاق حدثني محمد بن أبي محمد مولى زيد بن ثابت حدثني سعيد بن جبير أو عكرمة عن ابن عباس قال قال كعب بن أسد وابن صلوبا وعبد الله بن صوريا وشأس بن قيس بعضهم لبعض اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه فأتوه فقالوا يامحمد إنك قد عرفت أنا أحبار يهود وأشرافهم وساداتهم وإنا إن اتبعناك اتبعنا يهود ولم يخالفونا وإن بيننا وبين قومنا خصومة فنحاكمهم إليك فتقضي لنا عليهم ونؤمن ونصدقك فأبى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل فيهم « وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك » إلى قوله « لقوم يوقنون » رواه ابن جرير وابن أبي حاتم وقوله تعالى « أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون » ينكر تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الآراء والأهواء والإصطلاحات التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالاتوالجهالات بما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكر خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها عن شرائع شتى من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية وغيرها وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظرة وهواه فصارت في بنيه شرعا متبعا يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن فعل ذلك فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير قال تعالى « أفحكم الجاهلية يبغون » أي يبتغون ويريدون وعن حكم الله يعدلون « ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون » أي ومن أعدل من الله في حكمه لمن عقل عن الله شرعه وآمن به وأيقن وعلم أن الله أحكم الحاكمين وأرحم بخلقه من الوالدة بولدها فإنه تعالى هو العالم بكل شيء القادر على كل شيء العادل في كل شئ وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هلال بن فياض حدثنا أبو عبيدة الناجي قال سمعت الحكم يقول من حكم بغير حكم الله فحكم الجاهلية وأخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة حدثنا سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح قال كان طاوس إذا سأله رجل أفضل بين ولدي في النحل قرأ « أفحكم الجاهلية يبغون » الآية وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني « 10/10749 » حدثنا أحمد بن عبد الوهاب بن نجدة الخوطي حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين عن نافع بن جبير عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أبغض الناس إلى الله عز وجل من يبتغي في الإسلام سنة الجاهلية وطاب دم امرئ بغير حق ليريق دمه وروى البخاري « 6882 » عن أبي اليمان بإسناده نحوه بزيادة
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:52 am | |
| 51-يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ
. انظر تفسير الآية 53
52-فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُواْ عَلَى مَا أَسَرُّواْ فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ
. انظر تفسير الآية 53
53-وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُواْ أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُواْ خَاسِرِينَ
ينهى تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن موالاة اليهود والنصارى الذين هم أعداء الإسلام وأهله قاتلهم الله ثم أخبر أن بعضهم أولياء بعض ثم تهدد وتوعد من يتعاطى ذلك فقال « ومن يتولهم منكم فإنه منهم » الآية-موالاة اليهود والنصارى-قال ابن أبي حاتم حدثنا كثير بن شهاب حدثنا محمد يعني ابن سعيد بن سابق حدثنا عمرو بن أبي قيس عن سماك بن حرب عن عياض أن عمر أمر أبا موسى الأشعري أن يرفع إليه ما أخذ وما أعطى في أديم واحد وكان له كاتب نصراني فرفع إليه ذلك فعجب عمر وقال إن هذا لحفيظ هل أنت قارئ لنا كتابا في المسجد جاء من الشام فقال إنه لا يستطيع فقال عمر أجنب هو قال لا بل نصراني قال فانتهرني وضرب فخذي ثم قال أخرجوه ثم قرأ « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء » الآية ثم قال حدثنا الحسن عن محمد بن الصباح حدثنا عثمان بن عمر أنبأنا ابن عون عن محمد بن سيرين قال قال عبد الله بن عتبة ليتق أحدكم أن يكون يهوديا أو نصرانيا وهو لا يشعر قال فظنناه يريد هذه الآية « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء » الآية وحدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا ابن فضيل عن عاصم عن عكرمة عن ابن عباس أنه سئل عن ذبائح نصارى العرب فقال كل قال الله تعالى « ومن يتولهم منكم فإنه منهم » وروي عن أبي الزناد نحو ذلك-وقوله تعالى « فترى الذين في قلوبهم مرض » أي شك وريب ونفاق « يسارعون فيهم » أي يبادرون إلى موالاتهم ومودتهم في الباطن والظاهر « يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة » أي يتأولون في مودتهم وموالاتهم أنهم يخشون أن يقع أمر من ظفر الكافرين بالمسلمين فتكون لهم أياد عند اليهود والنصارى فينفعهم ذلك عند ذلك قال الله تعالى « فعسى الله أن يأتي بالفتح » قال السدي يعني فتح مكة وقال غيره يعني القضاء والفصل « أو أمر من عنده » قال السدي يعني ضرب الجزية على اليهود والنصارى « فيصبحوا » يعني الذين والوا اليهود والنصارى من المنافقين « على ما أسروا في أنفسهم » من الموالاة « نادمين » أي على ما كان منهم مما لم يجد عنهم شيئا ولا دفع عنهم محذورا بل كان عين المفسدة فإنهم فضحوا وأظهر الله أمرهم في الدنيا لعباده المؤمنين بعد أن كانوا مستورين لا يدرى كيف حالهم فلما انعقدت الأسباب الفاضحة لهم تبين أمرهم لعباد الله الممؤمنين فتعجبوا منهم كيف كانوا يظهارون أنهم من المؤمنين ويحلفون على ذلك ويتأولون فبان كذبهم وافتراؤهم ولهذا قال تعالى « ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين » وقد اختلف القراء في هذا الحرف فقرأه الجمهور بإثبات الواو في قوله « ويقول الذين » ثم منهم من رفع ويقول على الأبتداء ومنهم من نصب عطفا على قوله « فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده » فتقديره أن يأتي وأن يقول وقرأ أهل المدينة « يقول الذين آمنوا » بغير واو وكذلك هو في مصاحفهم على ماذكره ابن جرير قال ابن جريج عن مجاهد « فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده » تقديره حينئذ « يقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين » واختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآيات الكريمات فذكر السدي أنها نزلت في رجلين قال أحدهما لصاحبه بعد وقعة أحد أما أنا فإني ذاهب إلى ذلك اليهودي فآوي إليه وأتهود معه لعله ينفعني إذا وقع أمر أو حدث حادث وقال الآخر أما أنا فإني ذاهب إلى فلان النصراني بالشام فآوي إليه وأتنصر معه فأنزل الله « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء » الآيات وقال عكرمة نزلت في أبي لبابة بن عبد المنذر حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة فسألوه ماذا هو صانع بنا فأشار بيده إلى حلقه أي أنه الذبح رواه ابن جرير وقيل نزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول كما قال ابن جرير حدثنا أبو كريب حدثنا ابن إدريس قال سمعت أبي عن عطية بن سعد قال جاء عبادة بن الصامت من بني الحارث بن الخزرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن لي موالي من يهود كثير عددهم وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود وأتولى الله ورسوله فقال عبد الله بن أبي إني رجل أخاف الدوائر لا أبرأ من ولاية موالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلملعبد الله بن أبي يا أبا الحباب مابخلت به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه قال قد قبلت فأنزل الله عز وجل « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء » الآيتين ثم قال ابن جرير حدثنا هناد حدثنا يونس بن بكير حدثنا عثمان بن عبد الرحمن عن الزهري قال لما انهزم أهل بدر قال المسلمون لأوليائهم من اليهود أسلموا قبل أن يصيبكم الله بيوم مثل يوم بدر فقال مالك بن الصيف أغركم إن أصبتم رهطا من قريش لاعلم لهم بالقتال أما لو أمررنا العزيمة أن نستجمع عليكم لم يكن لكم يد بقتالنا فقال عبادة بن الصامت يا رسول الله إن أوليائي من اليهود كانت شديدة أنفسهم كثيرا سلاحهم شديدة شوكتهم وإني أبرأ إلى الله ورسوله من ولاية يهود ولا مولى لي إلا الله ورسوله فقال عبد الله بن أبي لكني لا أبرأ من ولاية يهود إني رجل لابد لي منهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا الحباب أرأيت الذي نفست به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه فقال إذا أقبل قال فأنزل الله « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء » إلى قوله تعالى « والله يعصمك من الناس » وقال محمد بن إسحاق « 3/70 » فكانت أول قبيلة من اليهود نقضت مابينها وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم بنو قينقاع فحدثني عاصم ابن عمر بن قتادة قال فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزلوا على حكمه فقام إليه عبد الله بن أبي ابن سلول حين أمكنه الله منهم فقال يامحمد أحسن في موالي وكانوا حلفاء الخزرج قال فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يامحمد أحسن في موالي قال فأعرض عنه قال فأدخل يده في جيب درع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني وغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى رئي لوجهه ظللا ثم قال ويحك أرسلني قال لا والله لا أرسلك حتى تحسن في موالي أربع مئة حاسر وثلاث مئة دارع قد منعوني من الأحمر والأسود تحصدني في غداة واحدة إني امرؤ أخشى الدوائر قال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم لك قال محمد بن إسحاق « 3/71 » فحدثني أبي إسحاق بن يسار عن عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت قال لما حاربت بنو قينقاع رسول الله صلى الله عليه وسلم تشبث بأمرهم عبد الله بن أبي وقام دونهم ومشى عبادة بن الصامت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أحد بني عوف بن الخزرج له من حلفهم مثل الذي لعبد الله بن أبي فجعلهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبرأ إلى الله ورسوله من حلفهم وقال يا رسول الله أبرأ إلى الله والى رسوله من حلفهم وأتولى الله ورسوله والمؤمنين وأبرأ من حلف الكفار وولايتهم ففيه وفي عبد الله بن أبي نزلت الآيات في المائدة « يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم » إلى قوله « ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون » وقال الإمام أحمد « 5/201 » حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن أسامة بن زيد قال دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على عبد الله بن أبي نعوده فقال له النبي صلى الله عليه وسلم قد كنت أنهاك عن حب يهود فقال عبد الله أبغضهم أسعد بن زرارة فمات وكذا رواه أبو داود « 3094 » من حديث محمد بن إسحاق
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
Admin Admin
عدد المساهمات : 794 تاريخ التسجيل : 25/11/2011
| موضوع: رد: تفسير سورة المائده الثلاثاء مايو 15, 2012 6:55 am | |
| 54-يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
. انظر تفسير الآية 56
55-إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ
. انظر تفسير الآية 56
56-وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ
يقول تعالى مخبرا عن قدرته العظيمة أنه من تولى عن نصرة دينه وإقامة شريعته فإن الله يستبدل به من هو خيرا لها منه وأشد منعة وأقوم سبيلا كما قال تعالى « وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم » وقال تعالى « إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز » أي بممتنع ولا صعب وقال تعالى ها هنا « يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه » أي يرجع عن الحق إلى الباطل قال محمد بن كعب نزلت في الولاة من قريش وقال الحسن البصري نزلت في أهل الردة أيام أبي بكر « فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه » قال الحسن هو والله وأبو بكر وأصحابه رواه ابن أبي حاتم وقال أبو بكر بن أبي شيبة سمعت أبا بكر بن عياش يقول في قوله « فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه » هم أهل القادسية وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد هم قوم من سبأ وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا عبد الله بن الأجلح عن محمد بن عمرو عن سالم عن سعيد بن جبير عن أسامة ابن عباس قوله « فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه » قال ناس من أهل اليمن ثم من كندة من السكون وحدثنا أبي حدثنا محمد بن المصفي حدثنا معاوية يعني ابن حفص عن أبي زياد الحلفاني عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله « فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه » قال هؤلاء قوم من أهل اليمن ثم من كندة ثم من السكون ثم من تجيب وهذا حديث غريب جدا وقال ابن أبي حاتم حدثنا عمر بن شبة حدثنا عبد الصمد يعني ابن عبد الوارث حدثنا شعبة عن سماك سمعت عياضا يحدث عن أبي موسى الأشعري قال لما نزلت « فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه » قال رسول الله صلى الله عليه وسلم هم قوم هذا ورواه ابن جرير من حديث شعبة بنحوه وقوله تعالى « أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين » هذه صفات المؤمنين الكمل أن يكون أحدهم متواضعا لأخيه ووليه متعززا على خصمه وعدوه كما قال تعالى « محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم » وفي صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه الضحوك القتال فهو ضحوك لأوليائه قتال لأعدائه وقوله عز وجل « يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم » أي لا يردهم عما فيه من طاعة الله وإقامة الحدود وقتال أعدائه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يردهم عن ذلك راد ولا يصدهم عنه صاد ولا يحيك فيهم لوم لائم ولا عذل عاذل قال الإمام أحمد « 5/159 » حدثنا عفان حدثنا سلام أبو المنذر عن محمد بن واسع عن عبد الله بن الصامت عن أبي ذر قال أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم بسبع أمرني بحب المساكين والدنو منهم وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت وأمرني أن لا أسأل أحدا شيئا وأمرني أن أقول الحق وإن كان مرا وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم وأمرني أن أكثر من قول لاحول ولا قوة إلا بالله فإنهن من كنز تحت العرش وقال الإمام أحمد « 5/159 » أيضا حدثنا أبو المغيرة حدثنا صفوان عن أبي المثنى أن أبا ذر رضي الله عنه قال بايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسا وواثقني سبعا وأشهد الله علي تسعا أن لا أخاف في الله لومة لائم قال أبو ذر فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال هل لك إلي بيعة ولك الجنة قلت نعم وبسطت يدي فقال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يشترط علي أن لا تسأل الناس شيئا قلت نعم قال ولا سوطك وإن سقط منك يعني تنزل إليه فتأخذه وقال الإمام أحمد أيضا « 3/50 » حدثنا محمد بن الحسن حدثنا جعفر عن المعلى القردوسي عن الحسن عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله عليه وآله وسلم ألا لا يمنعن أحدكم رهبة الناس أن يقول بحق إذا رآه أو شهده فإنه لا يقرب من أجل ولا يباعد من رزق أن يقول بحق أو أن يذكر بعظيم تفرد به أحمد وقال أحمد « 3/73 » حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان عن زبيد عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحقرن أحدكم نفسه أن يرى أمرا لله فيه مقال فلا يقول فيه فيقال له يوم القيامة مامنعك أن تكون قلت كذا وكذا فيقول مخافة الناس فيقول إياي أحق أن تخاف ورواه ابن ماجة « 4008 » من حديث الأعمش عن عمرو بن مرة به وروى أحمد « 3/77 » وابن ماجة « 4017 » من حديث عبد الله بن عبد الرحمن أبي طوالة عن نهار بن عبد الله العبدي المدني عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله ليسأل العبد يوم القيامة حتى إنه ليسأله يقول له أي عبدي أرأيت منكرا فلم تنكره فإذا لقن الله عبدا حجته قال اي رب وثقت بك وخفت الناس وثبت في الصحيح ما ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه قالوا وكيف يذل نفسه يا رسول الله قال يتحمل من البلاء مالايطيق « ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء » أي من اتصف بهذه الصفات فإنما هو من فضل الله عليه وتوثيقه له « والله واسع عليم » أي واسع الفضل عليم بمن يستحق ذلك ممن يحرمه إياه وقوله تعالى « إنما وليكم الله ورسولهوالذين آمنوا » أي ليس اليهود بأوليائكم بل ولايتكم راجعة إلى الله ورسوله والمؤمنين وقوله « الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة » أي المؤمنون المتصفون بهذه الصفات من إقام الصلاة التي هي أكبر أركان الإسلام وهي عبادة الله وحده لا شريك له وإيتاء الزكاة التي هي حق المخلوقين ومساعدة للمحتاجين من الضعفاء والمساكين وأما قوله « وهم راكعون » فقد توهم بعضص الناس أن هذه الجملة في موضع الحال من قوله « ويؤتون الزكاة » أي في حال ركوعهم ولو كان هذا كذلك لكان دفع الزكاة في حال الركوع أفضل من غيره لأنه ممدوح وليس الأمر كذلك عند أحد من العلماء ممن نعلمه من أئمة الفتوى وحتى إن بعضهم ذكر في هذا أثرا عن علي بن أبي طالب أن هذه الآية نزلت فيه وذلك أنه مر به سائل في حال ركوعه فأعطاه خاتمه وقال ابن أبي حاتم حدثنا الربيع بن سليمان المرادي حدثنا أيوب بن سويد عن عتبة بن أبي الحكيم في قوله « إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا » قال هم المؤمنون وعلي بن أبي طالب وحدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا الفضل بن دكين أبو نعيم الأحول حدثنا موسى بن قيس الحضرمي عن سلمة بن كهيل قال تصدق علي بخاتمه وهو راكع فنزلت « إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون » وقال ابن جرير حدثني الحارث حدثنا عبد العزيز حدثنا غالب بن عبيد الله سمعت مجاهد يقول في قوله « إنما وليكم الله ورسوله » الآية نزلت في علي بن أبي طالب تصدق وهو راكع وقال عبد الرزاق حدثنا عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه عن ابن عباس في قوله « إنما وليكم الله ورسوله » الآية نزلت في علي بن أبي طالب عبد الوهاب بن مجاهد لا يحتج به وروي ابن مردويه من طريق سفيان الثوري عن أبي سنان عن الضحاك عن ابن عباس قال كان علي بن أبي طالب قائما يصلي فمر سائل وهو راكع فأعطاه خاتمه فنزلت « إنما وليكم الله ورسوله » الآية الضحاك لم يلق ابن عباس وروى ابن مردويه أيضا من طريق محمد بن السائب الكلبي وهو متروك عن أبي صالح عن ابن عباس قال خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المسجد والناس يصلون بين راكع وساجد وقائم وقاعد وإذا مسكين يسأل فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أعطاك أحد شيأ قال نعم قال من قال ذلك الرجل القائم قال وعلى أي حال أعطاكه قال وهو راكع قال وذلك علي بن أبي طالب قال فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك وهو يقول « ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون » وهذا إسناد لا يقدح به ثم رواه ابن مردويه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه نفسه وعمار بن ياسر وأبي رافع وليس يصح شيء منها بالكلية لضعف أسانيدها وجهالة رجالها ثم روى بإسناده عن ميمون بن مهران عن ابن عباس في قوله « إنما وليكم الله ورسوله » نزلت في المؤمنين وعلي بن أبي طالب أولهم وقال ابن جرير حدثنا هناد حدثنا عبدة عن عبد الملك عن أبي جعفر قال سألته عن هذه الآية « إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون » قلنا من الذين آمنوا قال الذين آمنوا قلنا بلغنا أنها نزلت في علي بن أبي طالب قال علي من الذين آمنوا وقال أسباط عن السدي نزلت هذه الآية في جميع المؤمنين ولكن علي بن أبي طالب مر به سائل وهو راكع في المسجد فأعطاه خاتمه وقال علي بن أبي طلحة الوالبي عن ابن عباس من أسلم فقد تولى الله ورسوله والذين آمنوا رواه ابن جرير وقد تقدم في الأحاديث التي أوردناها أن هذه الآيات كلها نزلت في عبادة بن الصامت رضي الله عنه حين تبرأ من حلف اليهود ورضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين ولهذا قال تعالى بعد هذا كله « ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فان حزب الله هم الغالبون » كما قال تعالى « كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون » فكل من رضي بولاية الله ورسوله والمؤمنين فهو مفلح في الدنيا والآخرة ومنصور في الدنيا والآخرة ولهذا قال تعالى في هذه الآية الكريمة « ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون »
تفسير ابن كثير_أبو الفداء إسماعيل بن كثير
| |
|
| |
| تفسير سورة المائده | |
|